تقارير وتحقيقات

كفى حربًا – أصوات من غزة تطالب بوقف القتال ومحاسبة القيادات

غزة – تقرير خاص
بين ركام المباني المدمرة وصوت القصف المستمر، بدأت أصوات جديدة ترتفع داخل قطاع غزة، أصوات لا تنادي باسم أي طرف سياسي أو عسكري، بل تصرخ طلبًا للبقاء وإنقاذ ما تبقى من حياة. هذه الأصوات، التي طالما بقيت حبيسة الخوف والصمت، باتت اليوم أكثر وضوحًا: كفى حربًا، نريد السلام، ونريد قيادة مسؤولة تعبر عن آلامنا بدل استغلالها.

معاناة يومية لا تنتهي
منذ اندلاع الحرب الأخيرة، يعيش سكان غزة أوضاعًا إنسانية متدهورة. أكثر من مليوني إنسان يواجهون شبح المجاعة، في ظل نقص حاد في المواد الغذائية وانهيار شبه كامل للمنظومة الصحية. العائلات تنام تحت خيام مهترئة، الأطفال يبحثون عن لقيمات يسدون بها جوعهم، فيما المستشفيات بالكاد تعمل تحت ضغط هائل ونقص الأدوية.

تقول راوية، طالبة جامعية في الثانية والعشرين من عمرها، في حديث لمراسلنا: “سئمت أن أُستَخدم. نحن نعيش بين الأنقاض بينما هم يعيشون في الفنادق. أوقفوا الحرب. أوقفوهم.”

تصريحاتها، التي تعكس شعور جيل كامل من الشباب، تسلّط الضوء على فجوة متنامية بين معاناة الناس على الأرض وبين حياة القيادات السياسية في الخارج.

غضب شعبي يتصاعد
تتقاطع روايات المواطنين في مختلف مناطق القطاع مع رسائل تنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل المشفرة. مضمونها واحد:

نريد نهاية لهذه الحرب.

نريد قيادة أقرب إلى الناس.

نريد محاسبة من يقرر مصائرنا من بعيد.

في خان يونس، قال أحد النازحين (رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية): “أطفالنا يموتون هنا، بينما أبناء القادة يدرسون في أوروبا. هذه ليست قيادة، هذا استغلال.”

هذا الشعور بالخذلان لا يقتصر على فئة عمرية محددة؛ بل يتردد صداه بين كبار السن والنساء وحتى بين بعض المؤيدين السابقين لحركة حماس.

شرعية أخلاقية موضع تساؤل
التناقض بين معاناة غزة وواقع قيادات حماس في الخارج أصبح أكثر وضوحًا مع استمرار الحرب. تقارير إعلامية وصور متداولة تظهر بعض القيادات وهم يقيمون في فنادق فاخرة بدول مثل قطر وتركيا، في وقت يعيش فيه المواطن الغزي على حافة المجاعة.

يقول المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور سامر الخطيب: “المأساة ليست فقط في الدمار والضحايا، بل في الشعور العميق بأن القيادة بعيدة عن هموم الناس. الشرعية الحقيقية تُبنى من داخل المخيمات والمستشفيات، لا من وراء المنابر في عواصم بعيدة.”

بداية حركة جديدة؟
بحسب مراقبين، ما يجري في غزة قد يشكل بداية لتغير داخلي غير مسبوق. فالانتقادات لم تعد موجهة فقط إلى إسرائيل والحصار، بل إلى الداخل أيضًا، إلى من يُتهمون باستخدام المعاناة لأغراض سياسية.

ويرى بعض المراقبين أن هذا الغضب الشعبي قد يتطور مع الوقت إلى حركة ضغط داخلية تطالب بوقف الحرب والبحث عن بدائل سياسية جديدة، خاصة مع اتساع الهوة بين الشارع والقيادات في الخارج.

أصوات لا يمكن إسكاتها
رغم الخوف من القمع أو الاستهداف، يتزايد عدد من يرفعون صوتهم علنًا. في الأحياء المدمرة وفي خيم النزوح، يردد الناس الرسالة نفسها: “نحن بشر نريد حياة طبيعية، نريد مدارس بدل الخيام، نريد مستشفيات بدل المقابر، نريد مستقبلًا لا تحدده المؤتمرات الخارجية، بل تحدده كرامة الناس وحقهم في العيش.”

الخلاصة
مع استمرار الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية، يبدو أن غزة ليست فقط ساحة للمعارك العسكرية، بل أيضًا ساحة لتحولات اجتماعية وسياسية صامتة قد تغير مستقبلها.
الأصوات الشعبية التي ترتفع اليوم تحمل رسالة واضحة: كفى حربًا، كفى استغلالًا، وكفى صمتًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى