رؤي ومقالات

د. فيروز الولي تكتب :الكريمي: جزار التقنية والمحفظة… حين تتحوّل البنوك إلى مسرحية مأساوية

في بلد يُصارع أزماته من كل الجهات، يتحوّل المواطن البسيط إلى ضحية لسياسات مصرفية عبثية، تتخذ من التكنولوجيا واجهة براقة لتغليف واقع من الابتزاز المالي والتجاوزات القانونية. هنا لا نتحدث عن أزمة اقتصادية مجردة، بل عن كوميديا سوداء بعنوان: “بنك الكريمي”، حيث لا قوانين تُحترم، ولا شفافية تُمارس، والنتيجة… راتب مفقود، ورسالة SMS بـ15 ريال، وعمولات ترتدي زي العصابات.

المشهد الأول: الموظف “علي” وراتبه المختفي

يذهب موظف حكومي لتسلّم راتبه من بنك الكريمي، ليفاجأ أن المبلغ سُحب… دون توقيع، دون تفويض، ودون حتى إشعار. فقط لأن “زميله” قرر – بـمزاج الكريمي – استلامه بالنيابة!

ما حدث يعد انتهاكًا صارخًا للملكية الخاصة، التي تحميها المادة (7) من الدستور اليمني، فضلًا عن كونه جريمة “تصرف في مال الغير دون وكالة” وفقًا لقانون الجرائم والعقوبات (المادة 314).

كريمي إكسبرس: ثغرة أم نكتة رسمية؟

في مارس 2025، عمّم البنك المركزي في صنعاء إيقاف التعامل مع شبكة “كريمي إكسبرس”، بدعوى “مخالفة التعليمات التنظيمية”. غير أن التبريرات ظلت غامضة، دون تقارير علنية أو مساءلة واضحة.

الإيقاف بهذا الشكل يُخالف قانون البنوك اليمني رقم (38) لسنة 1998، الذي يُلزم بالعلانية في القرارات المالية، كما يُناقض مبدأ “الشفافية والمساءلة” الوارد في المادة (6) من الدستور.

قرارات بلا رقابة… وتصفيات بلا قضاء

في 22 يونيو 2025، أصدر البنك المركزي (الخاضع للحوثيين) تعميمًا يُمهل المؤسسات 15 يومًا لوقف التعامل مع بنك الكريمي، بدعوى “حماية أموال العملاء”. لكن دون وجود إشراف قضائي مستقل أو آلية طعن شفافة.

بحسب المادة (48) من الدستور، فإن أي ضرر مالي – بما في ذلك الحجز أو التصفية – يجب أن يكون خاضعًا للطعن القضائي، وإلا تحوّل القرار إلى أداة قسر خارج القانون.

العمولات: مسلسل من التضخيم الكوميدي

مواطنون يشكون من خصم 15 إلى 30 ألف ريال مقابل حوالة واحدة بقيمة 100 ألف. في حين كانت العمولة لا تتجاوز 7 آلاف ريال سابقًا. السؤال: ما الذي يبرر هذه القفزات غير المنطقية؟

هذا يشكل مخالفة صريحة للمادة (7) من قانون حماية المستهلك اليمني رقم 46 لسنة 2008، والتي تجرّم فرض أسعار غير مبررة، كما أن المادة (56) من الدستور تلزم الدولة بحماية المواطن من الاستغلال الاقتصادي.

رسائل SMS بـ15 ريال: كوميديا رقمية سوداء

يتلقى المواطن رسالة نصية تُعلمه بوصول الحوالة… مقابل 15 ريالًا. رغم أن تكلفة الرسالة لا تتعدى ريالين!

هذا “الخصم الخفي” يُعد خرقًا للمادة (14) من قانون حماية المستهلك، التي تُلزم بالإفصاح الكامل عن أي رسوم قبل تحصيلها.

تحويلات مالية دون توقيع: المحاسب البطل

في عدن، استلم محاسب أكثر من 7 مليون ريال من حساب لا يملكه، دون وجود أي تفويض أو سند قانوني. لا أوراق، لا أذونات، فقط “ثقة” ضمنية داخلية!

هذا التصرف يندرج تحت جريمة “نصب أو خيانة أمانة” وفقًا للمادة (314) من قانون الجرائم والعقوبات.

دعاوى قضائية تلوح في الأفق

محامون ونشطاء يعدّون ملفات قضائية ضد بنك الكريمي، بتهم تتراوح بين الابتزاز المالي وخرق حقوق الملكية. حتى البنك المركزي نفسه أوقف التعامل معه مؤخرًا.

المادة (48) من الدستور اليمني تضمن للمواطن الحق في التقاضي والمطالبة بالتعويض في حال انتهاك حقوقه المالية.

المقارنة الإقليمية: من صنعاء إلى دمشق والخرطوم

ظاهرة “الاستغلال المصرفي المغطى بقوانين مشوهة” ليست يمنية فقط، بل تتكرر في دول النزاع كالسودان وسوريا، حيث تُحوّل المؤسسات المالية إلى أدوات تسلط مالي.

الدولة الحالة المصرفية الخرق القانوني وجه الشبه

سوريا تجميد حسابات وسحب دون إذن منذ 2011 مخالفة قوانين حماية الملكية مثل خصم الرواتب دون تفويض
السودان تضخيم عمولات وتقييد التحويلات غياب رقابة قضائية على البنوك مثل عمولات الكريمي ورسائل SMS

كما في اليمن، تسترت الإجراءات تحت مظلة “تنظيمية”، لكنها كانت مجرد أدوات لإحكام القبضة المالية على المواطن.

عندما يتقن الجزار استخدام التطبيق…

في النهاية، لا يعود البنك مؤسسة مالية لخدمة الناس، بل مسرحًا للعبث المحمي بـ”الرقمنة”. في مشهد يختزل السخرية الاقتصادية في أوجها.

المشهد الانتهاك الدعم القانوني

خصم الرواتب دون إذن سحب غير مشروع المادة 7 من الدستور
إيقاف خدمات مالية بلا شفافية تعسف إداري المادة 6 من الدستور
عمولات مبالغ بها استغلال اقتصادي قانون المستهلك، المادة 7
SMS بـ15 ريال خصم غير مصرح قانون المستهلك، المادة 14
سحب أموال دون تفويض نصب واحتيال المادة 314 من قانون العقوبات
الدعاوى القضائية حق التقاضي المادة 48 من الدستور

اقتباسات ساخرة… بدعم قانوني

“التكنولوجيا ليست شرًا بحد ذاتها… لكن في الكريمي، التطبيق أسرع من القضاء، والعمولة أقسى من الحرب.”

“رسالة بـ15 ريال؟ يبدو أن الذبذبات تحوّلت إلى مورد دخل رسمي!”

“قالوا لنا: البنوك تحفظ أموالك. لكن الكريمي قرر… يحفظها لنفسه.”

ختام دستوري: ثلاث خطوات نحو بنك حقيقي

1. إعادة الأموال المسحوبة دون تفويض.

2. إفصاح كامل عن العمولات والرسوم قبل التحصيل.

3. خضوع كل الإجراءات للرقابة القضائية المستقلة.

لا نريد بنكًا يُضحكنا بتطبيقاته، بل مؤسسة تحترم القانون، وتحمي المواطن من الابتزاز، لا أن تبتزّه باسم “الخدمة”.

المراجع القانونية

الدستور اليمني (2001): المواد 6، 7، 47، 48، 56

قانون البنوك اليمني رقم (38) لسنة 1998

قانون حماية المستهلك اليمني رقم (46) لسنة 2008

قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 1994: المادة 314

شهادات ميدانية، فواتير، وأدلة منشورة على منصات التواصل

تعاميم البنك المركزي بصنعاء (مارس ويونيو 2025)

تقارير صحفية من “المشهد اليمني”، “الأيام”، ومنصات قانونيين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى