رؤي ومقالات

جمال محمد غيطاس يكتب :تجارة بالدعوة للحرب ونفاق للجيش ممن سخنت رؤوسهم وساحت عقولهم

الذي أفهمه وأعرفه أن جيشنا أو قواتنا المسلحة مؤسسة وطنية، يفترض أن تعمل وفق الدستور والقانون، أي دستور البلاد، والقوانين الخاصة بها. والذي أعرفه وأفهمه أن لها مهامًا استراتيجية وتكتيكية، يتم صياغتها وتطويرها طوال الوقت، وفقًا لتقديرات غاية في التخصص والتعقيد، تضطلع بها كيانات مسئولة عن ذلك بداخلها، من بينها على سبيل المثال لا الحصر هيئة العمليات بما فيها من شعب للتخطيط وما شابه ، لذلك لا أفهم على الإطلاق حملات فرقة التطبيل والنفاق ولعق الأحذية، الداعية لشحن الشعب وراء الجيش وكأن الحرب ستقع غدًا.
أختلف أنا وغيري مع الرئيس في توجهاته كرئيس للسلطة التنفيذية، لكننا لا ننسى لحظة أنه في النهاية القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأن هناك المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والكيانات المتخصصة بداخل القوات المسلحة، وهم الجهات الوحيدة المسئولة عن حديث الحرب من عدمه.
فلا أحد خارج هذه الجهات يملك من المعلومات وتقديرات الموقف ما يؤهله للخوض في قضية عالية الحساسية والخطورة من هذا النوع، ويفتي بشعارات وانفعالات سطحية تخصه هو وحده، ويخرج مزايدًا على الجيش ومنافقًا له، ويطلق تفاهات وهاشتاجات ساذجة وكأن الجيش ماض الي القتال.
يبدو الأمر وكأن لوثةً ما أخذت بتلابيب وعقول ثلة المنافقين ولاعقي الأحذية في أوساط الإعلاميين والصحفيين وبعض المسئولين هنا وهناك، وقادتهم للمزايدة على الجيش ومسئوليته الوطنية، فانخرطوا في دعوات لدعمه، مع أن الأمر كله وهمٌ يدور بالكلية في رؤوسهم المريضة، ونفوسهم الدنيئة التي تتطوع بدور الدبة التي تقتل صاحبها بسبب ذبابة تحوم حول وجهه.
لا الشعب في حاجة لأن يذكره منافق بفضل جيشه ومكانته، ولا أن يصدع رأسه لاعق أحذية بمزايدات فارغة يخدم بها مصالحه الضيقة، فمكانة الجيش التاريخية محفوظة محفورة في صدورنا، من أصغر طفل إلى أكبر شيخ.
نحن وغيرنا الكثير نختلف بكل احترام وشرف ووطنية علنًا مع الدولة ككل، في توجهاتها العامة التي نراها لا تتوافق مع دورها ومكانتها، تنمويا وحضاريًا وإنسانيًا وإقليميًا على المدى الطويل، دورها المرسوم لها تاريخيًا بفعل القدر، لا بادعاءات منافق أو مطبل أو لاعق أحذية، لكننا لا نملك ولا يجب أن نملك الإفتاء في توقيت قرار حرب أو فكرة الحرب من عدمها او دعوة الشعب للوقوف وراء جيشه، من قال ان الشعب ليس كذلك؟.
اختلافنا لا يعني صواب رأينا بالضرورة، لكنه الحق المكفول لنا بحكم الدستور والقانون، وهو اختلاف يتوقف عند الحدود المنطقية الصحيحة، ولا يخوض فيما لا نعلم ولا نقدر عليه. أما هم، فنفاقهم – وليس اتفاقهم – لا يتوقف عند حد، ولا يرعى حرمة، ولا يحترم أدبيات وأخلاقيات الجدل والاختلاف، وفي غمرتهم ينسون الحدود التي يقتضي العقل والمصلحة الوطنية الحقة الوقوف عندها، وينزلقون للمزايدة على الجيش ونفاقه، والافتاء بالاستعداد للوقوف خلفه في الحرب، الحرب التي صنعوها في رؤوسهم الساخنة التي ساح فيها العام على الخاص، ولم يصرح الجيش بكلمة واحدة عن وجودها أو عدم وجودها من الأصل.
إنها متاجرة علنية بجيش يفترض أن يعمل ويقوم بمهامه في صمت، ويعلن قرارات الحرب أو عدم الحرب وفق مقتضيات تفرضها عليه مسئوليته الوطنية والدستورية والقانونية، ثم يحاسب عليها من قبل الأمة بأكملها وفق القانون والدستور بحسب نتائجها الكبرى بعد ذلك. والأمر برمته لا يحتاج أبواقًا منافقة متاجرة، سخنت رؤوسها وساحت واختلط لديها العام بالخاص، وصار وجودها همًا مزمنًا لا يحتمله أحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى