حسام السيسي يكتب :كيانٌ مؤسسي في مواجهة أنظمة كارتونية

منذ بداية العدوان على غزة، تكاد تتكرر القاعدة ذاتها: كلما نفذت المقاومة عملية نوعية أربكت حسابات الاحتلال، ارتبكت معها الأنظمة العربية قبل العدو نفسه، فيُضخ في الفضاء الإعلامي خبر صاخب، تفجير هنا، أو شائعة هناك، الهدف واحد: صرف الأنظار عن الحقيقة الجوهرية — أن غزة تُقاتل، وتُبدع، وتُربك أعتى جيش في المنطقة.
لم يكن غريبًا أن يتسرب خبر “مقتل أبو عبيدة”، ، بالتوازي مع حملات تضخيم إعلامية لأحداث خارج السياق: وفاة ترامب ك مثال، أو انفجار في مدينة بعيدة، أو قضية فرعية تُحوَّل إلى مادة استهلاك جماهيري. كل ذلك ليس صدفة؛ بل جزء من ماكينة “إدارة الوعي”، حيث يتحالف الاحتلال مع أبواق الأنظمة لإغراق الرأي العام في تفاصيل جانبية، بينما يستمر القتل والتجويع والتدمير في غزة.
لكن الدرس الذي يتكرر منذ سنوات أن المقاومة في غزة ليست “فردًا” ولا “اسمًا” ولا “شخصية كاريزمية” تحكم المشهد. هي كيان مؤسسي، عميق الجذور، يمتلك القدرة على إنتاج قيادات بديلة بشكل تلقائي، بل إن بنيته محصنة ضد الاهتزازات التي تُربك الأنظمة. اغتيال قائد، أو حتى غياب ناطق إعلامي، لا يوقف المسيرة ولا يُربك القرار، بل يُظهر مرونة غير مألوفة في السياق العربي.
في المقابل، تبدو الأنظمة العربية كـ”هياكل كارتونية”، معلقة على شخص أو حفنة من الشخوص، تنهار بانهيارهم، وتختفي بغيابهم. أنظمة بلا مؤسسات حقيقية، بلا مشروع متماسك، تعتمد على صورة زعيم أكثر مما تعتمد على وعي شعب أو بنية مقاومة. لذلك لا غرابة أن نراها تخشى أي نموذج بديل، وتتحالف ضمنيًا مع خطاب الاحتلال لمحاصرته وتشويهه.
غزة اليوم ليست مجرد جغرافيا محاصرة؛ إنها فضيحة سياسية وأخلاقية لأنظمة فقدت شرعيتها، وباتت بلا رجال سوى في بياناتها. وحدها غزة تثبت أن الرجال ما زالوا موجودين، وأن المؤسسة حين تُبنى على وعي وإيمان وصمود، تُصبح عصية على الاغتيال والانهيار.
الدرس بليغ: يمكن أن يموت القائد، لكن لا تموت المقاومة. أما في عالم الأنظمة الكارتونية، فموت الفرد يعني موت الدولة نفسها. وهذا هو الفارق بين “كيان” و”كارتون”.