قراءة تحليلية-عجولة-لشعر الشاعرة الفلسطينية المغتربة الأستاذة عزيزة بشير *(بكاء الغربة..وترانيم للوطن)…..بقلم محمد المحسن

قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أن شعر الشاعرة الفلسطينية المغتربة الأستاذة عزيزة بشير يُمثل ظاهرة أدبية فريدة،حيث تلتقي عدة أبعاد وجودية في بوتقة الإبداع: الهوية الفلسطينية،وجع الغربة،لسعة الإغتراب،ووعي لغوي وجمالي عميق.هذا المزيج ينتج شعراً هو أقرب إلى سيرة ذاتية جماعية ممزقة بين مكانين: وطن مفقود بالذاكرة ومنفى ملموس بالجسد.
هذا الوطن ككيان أسطوري( فلسطين) لم يعد في قصائد الأستاذة عزيزة بشير مجرد مكان جغرافي. بل نستشعره كـ”جنة عدن” مفقودة،كأم حنون،أو كحبيب بعيد المنال.هذه الصورة المُثلى هي نتاج الذاكرة التي تنتقي ألمع التفاصيل (رائحة الزعتر، صوت الأذان،شجر الزيتون..عطر جنين..ترانيم حيفا..ودموع غزة..) وتُضفي عليها طابعاً قدسياً.هذه سمة دفاعية ضد محاولات طمس الهوية.كما أن الاغتراب ليس مجرد العيش في بلد آخر،بل هو حالة من اللاانتماء والانشطار.فالشاعرة تعيش في “هنا” جسدياً لكن روحها ووعيها في “هناك”. هذا يخلق إحساساً دائماً بالغربة حتى في أكثر أماكن المنفى أماناً،سيما وأنها تعيش-على حد قولها- بدولة الإمارات العربية المتحدة-في كنف الأمن والأمان..
جل قصائدها تنبجس من رحم فلسطين،إذ تذكرنا بمطر القدس وشمسها،فتصبح عناصر الطبيعة محفزاً للألم والحنين.أما كلماتها،فهي مرآة صادقة تنعكس عليها صورة الوطن،إذ نراها تحمل آلامه وندوبه.وهذه المواجع المتخفية بين السطور ليست ضعفاً،بل هي مصدر للقوة والصمود والحماية،مثل الأرض التي تمنح الحياة.
هذه القصائد غالبا ما تكون تأملية-سردية،تنتقل بين الماضي والحاضر،بين الذكرى والواقع المعاش، مما يخلق إحساساً بتداخل الأزمنة وهو ما يعكس تشظي الهوية،لكن القارئ يشعر أن القصيدة قادمة من أعماق تجربة إنسانية حقيقية،وليست مجرد تمرين بلاغي.هذا العمق العاطفي هو أقوى أسلحتها.
لقد نجحت الشاعرة في تحويل المعاناة الشخصية إلى قضية إنسانية عالمية،وأبدعت أيضا في تحويل قصتها الخاصة مع الغربة والإغتراب إلى ترنيمة لكل منفى،لكل إنسان يشعر بالغربة،مما يوسع من قاعدة التلقي والتأثير.ولعل الأهم في خطابها الشعري،هو المقاومة بالكلمة،ففي غياب السلاح،تصبح القصيدة وسيلة للمقاومة وجودياً وثقافياً.وهي طريقة للحفاظ على الهوية وإثبات الوجود ورفض النسيان.بمعنى آخر الشعر هو “بطاقة الهوية” كما قال محمود درويش،وهنالك تتقاطع معه الكثير من الشاعرات.
ختاما أقول :شعر الشاعرة الفلسطينية المغتربة الأستاذة عزيزة بشير،هو ضرورة شعرية وتاريخية. هو وثيقة إنسانية تؤرشف لجرح شخصي وجماعي،وتحول الألم إلى جمال.وعلى الرغم من التحديات الفنية التي قد تواجهه،إلا أنه يظل صوتاً لا غنى عنه،ليس فقط في المشهد الأدبي الفلسطيني،بل والعربي والعالمي،لأنه يذكر العالم بأن القضية الفلسطينية هي،قبل كل شيء،قضية إنسان شُرد من أرضه،وحلمه،وتفاصيل حياته اليومية،ولم يجد سلاحاً سوى الذاكرة والكلمة ليدافع بهما عن حقه في الوجود والحلم.
وهنا،لا بد أن أشير الى أن الشعر هو عمل لغوي بالأساس و من لا يكون له حس مرهف باللغة وعشق لها،لا يمكن أن يتعاطى فعل الكتابة والشاعرة الفذة أ-عزيزة بشير تسعى دوما الى الإنفتاح على أفاق تعبيرية جديدة تفصح من خلالها عن تجربتها الإبداعية و تقول غائر مشاعرها بأناقة لغوية لافتة..
تُمثّل الأستاذة عزيزة بشير نموذجاً للمثقف الفلسطيني الملتزم الذي يستخدم موهبته كسلاح للمقاومة والبقاء،مساهمة في الحفاظ على الهوية الفلسطينية ونقل صوت شعبها إلى العالم. هي صوت شعري مؤثر يجسد بصدق وألم جمالية المقاومة والصمود في وجه المحن.
ختاما : أجراس موسيقية تدق (بضم التاء) فتنبجس من تموجاتها قصيدة رائعة،لكنها مترعة بالمواجع بإمضاء الشاعرة الفلسطينية السامقة أ-عزيزة بشير،أراها تداعب الذائقة الفنية للمتلقي،وتدغدغ مشاعره..فأستمعوا إليها -دون بكاء ولا نشيج-ولكم-في الأخير-حرية التفاعل والتعليق :
“بعد أن قذف النّمرودُ سيّدَنا إبراهيم عليهِ السّلامُ في النار كان طيرٌ يملأ مِنقارَهُ ماء ويُلقي بهِ على النار فهل يَعتقدُ أنَه سيُطفئُها ؟ لا..ولكن لِيعملَ شيئاً يقدرُ عليه لإنقاذه..!
ألطّيْرُ فكّرَ أن يُساعِدَ مُبتَلًى
يَصْلى بِنارٍ علّهُ………………..يتَقرّبُ!
كيفَ السبيلُ ويعرُبٌ ملءُ الفضا
والنّار تعصِفُ والدّماءُ ……..تُخَضِّبُ ؟!
كلٌّ (بغزّةَ) يستغيثُ لِنجْدَةٍ
والدّمُّ يُسفَكُ والأسارَى ……….. تُعَذَّبُ
مَن لمْ يمُتْ بالسيْفِ ماتَ لِجوعِهِ
والعُرْبُ ترقُبُ،مسلِمونَ …… تَغيّبوا
لا أُذنَ تسمعُ،لا عيونَ بصيرَةٌ
لا ماءَ يُطفئُ،لا حمِيّةَ …………..تُرْعِبُ
ألطّيرُ فكّر وهوَ غيرُ مُكَلَّفٍ
ليتَ العُروبةَ تقتَدي بِهِ ………….تغلِبُ
وتُساعِدُ الغزّيَّ ، تُنقِذُ أهلَهُ
وتَدُُكُّ صَرْحاً للعدُوِّ………….وَتضرِبُ!
عزيزة بشير
هذه القصيدة،إبحار في سراديب الذات،ومصباح في زجاجة من الأرق والألم،والوجع،والسؤال،إنّها ايغال في واقعنا العربي الأليم،لا يملأه إلا الفضاء،وهي أيضا بحث عن دفء الرغبة..للخلاص من عقال الظلم والظلام..و..كفى..
محمد المحسن
*نبذة عن الشاعرة الفلسطينية الكبيرة الأستاذة عزيزة بشير
تعتبر الشاعرة الفلسطينية عزيزة بشير ( أصيلة مدينة جنين الشامخة) واحدة من الأصوات الشعرية المؤثرة في المشهد الأدبي الفلسطيني والعربي،حيث تتميز أشعارها بالعمق الإنساني والروحي والتعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني وتطلعاته نحو الحرية والعدالة.
تكتب الشعر العمودي والحر،وتركز في أعمالها على القضية الفلسطينية وقضايا الأمة العربية.
تتناول في شعرها
الصمود،المقاومة،الأمل،التحرر،المشاعر الإنسانية العميقة المرتبطة بالوطن والهوية..كما يتميز شعرها بقدرته على خلق حالة من الحوار الوجداني مع القارئ،مما يجعله وسيلة فعالة لنشر الوعي بالقضية الفلسطينية.ولا يقتصر على السياسة فقط،بل يتناول أيضًا المشاعر الإنسانية مثل الحزن،الألم،الحنين،والأمل..،مما يجعل قصائدها قريبة من القلب ومؤثرة في الوجدان.
هذا،وتتميز لغتها بالجزالة وقوة التعبير،مع مزج بين العمق الفلسفي والبساطة العاطفية.فهي تدمج بين الروح الثورية واللمسات الجمالية التي تجعل قصائدها مؤثرة وسهلة الانتشار.
تستخدم الشاعرة الأستاذة عزيزة بشير رمزية قوية في وصفها للمكان والإنسان،مثل تشبيه غزة بالعروس والعزة،واستخدام مفردات مثل “النار”، “الدم”، “التراب”.. لتعزيز فكرة المقاومة والصمود..
تحظى الأستاذة عزيزة بشير بتقدير كبير في الأوساط الأدبية العربية،حيث يصفها النقاد بأنها “شاعرة تكتب بحبر الروح ودم القصيدة” .
· يعتبر نقاد كثر،أن شعرها يجسد الهوية الثقافية الفلسطينية المقاومة،ويحمل رسالة أمل وإصرار على التحرر..
تقيم بالإمارات العربية المتحدة،وتؤسس لغد مشرق يومض فيه النصر في سماء فلسطين،حيث ستعود كل ” الطيور المهاجرة إلى أوكارها”..