رؤي ومقالات

صلاح المختار يكتب :أستغلال الاقليات رافعة تقسيم وطننا العربي

تتصاعد الدعوات الغربية والصهيونية لمنح الاقليات حكما ذاتيا او نظاما فدراليا او دولة مستقلة،وتقترن بضغوط شديدة وتهديدات علنية، والسؤال هو التالي: لماذا ؟ لكي نفهم الدوافع الحقيقية لنظر إلى وضع الأقليات في أوروبا الغربية:
أولا: تعترف بعض البلدان الأوروبية مثل إيطاليا بحقوق ثقافية للأقليات ولكنها لا تمنحها الحكم الذاتي أو إقامة كيان خاص بها ضمن الدولة أو خارج الدولة، بينما في فرنسا لا تعترف بأي حق من حقوق الأقليات وترفض الاعتراف بكيانات خاصة بها وتتبنى فقط مفهوم المواطنة المتساوية والتي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات وكذلك إسبانيا وألمانيا .
ثانيا: إذا كانت أوروبا الغربية ترفض اعتبار الأقليات الدينية والقومية كيانات ذاتية ضمن الدولة وتعتمد قاعدة المواطنة المتساوية بين الجميع فهل من المنطقي أن يطلب من العرب أن يمنحوا للأقليات حقوقا خاصة تصل حد الفدرالية والانفصال وتضمين ذلك في الدستور؟ إن النظر إلى من يطلب ذلك يكشف عن الهدف الحقيقي، فأكثر من يطالب بالاعتراف بالأقليات في الوطن العربي هي فرنسا وألمانيا، وأمريكا وكندا،لماذا ترفض دول أوروبا الغربية الاعتراف بكيانات خاصة فيها، سواء كانت حكما ذاتيا أو فدرالية وتضمين الدستور وضعية خاصة للأقليات؟ أليست تلك ازدواجية المعايير ؟
إن رفض أوروبا الاعتراف بكيانات ذاتية أو فيدرالية للأقليات فيها ينبع من قناعتها بأن منح الأقليات هذا المستوى من التميز سيكون وسيلة لتفكيك الأمة والدولة إن عاجلا أو آجلا، ولهذا لا تتساهل دول أوروبا الغربية في موضوع الأقليات ، لكنها في المقابل تجعل منه المطلب الأول لها الذي على الأقطار العربية تنفيذه وهو الاعتراف بوجود أقليات ومنحها كيانات خاصة كحكم ذاتي أو فيدرالية او الانفصال! وهذه المطالبات وكما ظهر رسميا خصوصا في السنوات الماضية يشمل الأمازيغ والاكراد والدروز والمسيحيين والعلويين …الخ. وما زالت أوروبا وأمريكا تضغطان على دول المغرب العربي لتوطين الأفارقة الذين يدخلون إليها بصورة غير قانونية في السنوات الأخيرة، وهذا الضغط إذا رضخ له سيؤدي إلى تكون أقلية إفريقية تضاف إلى الأقليات في المغرب العربي.
إما في المشرق العربي فإن أوروبا وأمريكا تصران على منح الأقليات كحد أدنى حكما ذاتيا وكحد أعلى الانفصال وتكوين دولة مستقلة ، وفي كل الأحوال فإن المطالب الغربية من الأقطار العربية تقوم على هدف واضح وهو تفكيك الشعب وتحويله إلى مكونات.
ثالثا: إن نظرة بسيطة لما حصل في العراق بعد الغزو الأمريكي وفرض النظام الفدرالي عليه، تكشف لنا عن الأهداف الحقيقية للغرب من وراء الدعوة للاعتراف بالأقليات ومنحها حقوقا خاصة، ففي العراق أصبحت هناك دولة واقعية في شمال العراق وهي الدولة الكردية، وأجري في عام 2017 استفتاء لاعلان استقلالها،وفشل لأن الشعب الكردي رفض الانفصال ، أما في بقية العراق فإن نظام الأقاليم وهو ما ثبت في دستور دولة الاحتلال أدى إلى الإعداد العملي لقيام دولة شيعية ودولة سنية، ونشبت صراعات وصلت حد طرح مطلب (أن الثروة ملكا لمن يجلس فوقها وليس للدولة المركزية)!
إن هذه الحقيقة تظهر بوضوح تام الدوافع الستراتيجية البعيدة المدى لمطلب الاعتراف بالأقليات ومنحهم حكما ذاتيا أو نظاما فدراليا أو استقلالا تاما، فالفوضى والفساد والافقار المنظم والإرهاب وسيطرة المليشيات في كل العراق ليست إلا مقدمات لتقسيمه وإنهاء الكيان الوطني العراقي. وهذا ينطبق على سورية أيضا ،فبعد إن دعم الغرب خمسة عقود حكم حافظ وبشار الأسد أسقط النظام ، لقد زرع الفتن الطائفية والتي خلقت شروخا عميقة نرى اثارها الان بعد سقوطه ، وكان الدعم الغربي للنظام البديل يستبطن هدفا بعيدا وهو الاستثمار في اقصى مدياته لما زرعه نظام عائلة الاسد ، بالاقدام على خطوات جوهرية على طريق تقسيم سورية،فوجود قوى سياسية (النخب الكردية والعلوية والسنية والدرزية والمسيحية ..الخ)أيديولوجيتها وتركيبها النفسي ينبع من دوافع عرقية أو طائفية ترفض استمرار اندماج الشعب في هوية وطنية جامعة واحدة في الوطن يفضي حتما إلى إشعال صراعات طائفية وعرقية مدمرة.
رابعا:من هذه الزاوية يجب أن ننظر إلى الدعم الغربي لايصال هيئة تحرير الشام إلى السلطة دون أن يعني ذلك إنها عميلة للمخابرات الأمريكية أو غيرها، لان دعم الغرب لهيئة تحرير الشام ينبع من تركيبتها الأيديولوجية وهي هوية القاعدة وداعش، ورغم طلاق هيئة لتحرير الشام مع داعش والقاعدة فإن تربيتها الوهابية هي المتحكمة بكثير منها، وهذا هو الدافع الرئيس لدعم الغرب لوجود هيئة تحرير الشام في السلطة اعتقادا منه ان ذلك سيؤدي إلى محاولتها فرض ايديولوجيتها، وهو ما سيثير ردود فعل لدى الكتل الأخرى اهمها تبني موقف انفصالي رافض لهيمنة طائفة واحدة.
واستنادا لذلك رفضنا رفع شعار (السنة عائدون)، وقلنا أنه سيؤدي إلى رفع شعارات مناقضة لدى الاخرين ، وهذا ما نراه الآن في أشد مراحله خطورة في السويداء ومع قسد. فالدعوة الغربية للاعتراف بالأقليات والتهديد بأن رفض ذلك سيؤدي إلى إسقاط النظام وتقسيم سورية بالقوة لا يمكن النظر إليها بمعزل عن مسألتين جوهريتين:
المسألة الأولى:أن هناك مخططات غربية وصهيونية معلنة لتقسيم الأقطار العربية كلها على أسس عرقية وطائفية، ومنها خطة برنارد لويس التي أقرها الكونغرس الأمريكي في عام 1982 وتنفذ على مراحل منذ ذلك الوقت. وهكذا نرى إن ما يجري خصوصا في العراق وسورية والمغرب العربي والسودان من دعوات للتقسيم و للانفصال تحت شعار حماية الأقليات الدينية والقومية ليس سوى تنفيذ لمخطط غربي صهيوني.
المشكلة الثانية: أن الاتحاد الأوروبي الذي يرفض الاعتراف بالأقليات ككيانات قائمة بذاتها ينطلق من عقلية استعمارية متأصلة فيه، وبالتالي فإن كل الخطوات التي تتخذ ليس هدفها دعم الأقليات بل استخدامها في مفرمة الصراعات الدموية داخل الأقطار العربية والتي يذهب ضحيتها كل ابناء سورية والعراق والسودان .وهكذا نرى كيف ان الغرب يقلب كافة المعادلات السائدة في العالم بجعل الاقليات تتحكم بالاغلبية الساحقة وهم العرب والذين يشكلون نسبة تتجاوز ال90 % من السكان!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى