رسالة ترامب لإخضاع أوروبا سياسيا واقتصاديا: عندما أرى أنكم تتألمون سأجعل روسيا تتألم

كتب المحلل أندريه سورجانسكي عن خيارات تفسير تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القيود ضد روسيا ودول أخرى، وعن ما ينبغي على دول الاتحاد الأوروبي الاعتراف به.
تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة بشأن فرض عقوبات جديدة على روسيا بسبب الوضع في أوكرانيا، لا تترك مجالا للشك في أن الزعيم الأميركي يريد إخضاع أوروبا اقتصاديا وجيوسياسيا.
ترامب أعلن استعداده لفرض إجراءات تقييدية صارمة على موسكو، كما يطالبه الشركاء الأوروبيون، لكن بشرط أن يتصرف جميع أعضاء حلف شمال الأطلسي بشكل موحد، ويتوقفوا عن شراء النفط الروسي. بل إنه اعتبر أن العقوبات الأوروبية، التي تقترب من موجتها التاسعة عشرة، ليست كافية. وقال: “أنا مستعد لفرض العقوبات، لكن على الأوروبيين أن يشددوا عقوباتهم لتتوافق مع خطواتي. لا تتوقعوا أن نتحرك نحن (الولايات المتحدة) بكامل قوتنا، بينما تواصل أوروبا شراء النفط من روسيا”.
وبذلك وجه ترامب رسالة واضحة للأوروبيين: إذا أردتم الضغط على روسيا، فعليكم أولًا أن تؤلموا أنفسكم، وعندما أرى أنكم تتألمون، سأجعل روسيا تتألم.
ترامب دعا دول “الناتو” أيضًا إلى فرض رسوم جمركية على الصين تتراوح بين 50% و100%، معتبرًا أن ذلك قد يساعد في إنهاء الأزمة الأوكرانية، لأن عائدات الطاقة الروسية تموّل “آلة الحرب” في موسكو.
لكنه انتقد شراء بعض دول الحلف للنفط الروسي، واصفًا ذلك بـ”الصادم”، ومؤكدًا أن هذه السياسة أضعفت موقف التفاوض الغربي. وكتب على منصة “تروث سوشيال”: “على أي حال، أنا جاهز للضغط عندما تكونون أنتم مستعدين. فقط قولوا متى؟”.
لكن دول “الناتو” ليست متحمسة لـ”إيذاء نفسها”. فتركيا، العضو في الحلف، ما زالت من أكبر المشترين للنفط الروسي، وكذلك هنغاريا وسلوفاكيا، اللتان تبحثان عن بدائل لتجنب انهيار اقتصادي.
مناورة لتأجيل العقوبات
صحيفة واشنطن بوست اعتبرت أن تصريحات ترامب قد تؤخر محاولاته للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوقف الحرب، مؤكدة أن اقتراحه “غير واقعي” نظرًا لأن بعض أعضاء الحلف الـ32 لا يزالون يعتمدون على الطاقة الروسية.
أما نيويورك تايمز فرأت أن شرط ترامب لن يتحقق أبدًا، وهو أمر يعرفه الرئيس الأميركي ومستشاروه جيدًا، مشيرة إلى أن أكبر مشترين للنفط الروسي هما هنغاريا وتركيا، الدولتان اللتان يكنّ لهما ترامب إعجابًا خاصًا.
“لا شيء شخصي.. مجرد عمل”
الحقيقة، بحسب التحليل، أن ترامب يسعى وراء مصالح اقتصادية بحتة:
من جهة، يريد التخلص من منافسين كبار مثل الصين والهند.
ومن جهة أخرى، يريد إجبار أوروبا على شراء الغاز والنفط الأميركيين (إلى جانب الأسلحة).
إحصاءات النصف الأول من 2025 تظهر أن واردات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا ارتفعت 25% لتصل إلى 92 مليار متر مكعب، أكثر من نصفها من الولايات المتحدة (55%). بينما ظلت روسيا ثاني أكبر مورد بنسبة 14%.
لكن الهند والصين لا تزالان تعتمدان على النفط الروسي بشكل واسع، إذ بلغت واردات الهند منه في أغسطس نحو 3.4 مليار دولار، قريبة من مستوى واردات الصين البالغة 3.64 مليار دولار.
الصين بدورها لوّحت برد قوي إذا حاول “الناتو” أو مجموعة السبع فرض رسوم جمركية ضدها بذريعة شرائها الطاقة الروسية، مؤكدة أن تعاونها مع موسكو “قانوني وشرعي”، ومتوعدة بإجراءات مضادة.
الكونغرس الأميركي تحت سلطة ترامب
رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون أوضح أن الكونغرس لن يتحرك منفردًا لإقرار عقوبات جديدة ضد روسيا، بل سينتظر إشارة الرئيس ترامب، قائلًا: “يجب أن يكون الأمر شراكة، نحن نطيع القائد الأعلى”.
ورغم أن ترامب سبق أن أبدى استعداده لفرض عقوبات جديدة، إلا أنه اعترف بأن موسكو “تعرف كيف تتعامل معها”.
المنطق السياسي لترامب
بمرور الوقت، يبدو أن اهتمام ترامب بالصراع الأوكراني يتراجع، بينما يركز أكثر على المكاسب الاقتصادية. صحيفة Público الإسبانية وصفت سلوكه بأنه “ابتزاز للحلفاء الأوروبيين”.
والخلاصة: إذا أرادت أوروبا الاستمرار في الحرب رغم رغبة ترامب في إنهاء الصراع بسرعة، فعليها أن تتخلى عن رفاهها الاقتصادي، كما يدعوها ترامب. لكن ذلك، كما يشير الكاتب، سيكون بمثابة “طلقة في الرأس، لا في القدم”.