حمزه الحسن يكتب :العقل المعتقل

في حوار دار بين المفكر: صادق جلال العظم وبين الشاعر والمفكر أدونيس
حول كتاب العظم” ذهنية التحريم” وتبعه جزء آخر: ” ذهنية ما بعد التحريم”،
يتعرض أدونيس في مقال رداً على العظم بعنوان” العقل المعتقل”
وهو عنوان كتاب للكاتب والشاعر البولندي تشيسواف ميووش اللاجئ في باريس الذي حصل على جائزة نوبل عام 1980، عن دور الايديولوجيا والتحيزات المسبقة والقوالب في إعتقال العقل وهو عقل اجتراري ملقن تكراري وتشكل القناعات والافكار العامة الشائعة حجاباً مانعاً من رؤية الحقيقة.
العقل ليس المادة العضوية ـــ الدماغ، بل العقل هو محتوى الدماغ الثقافي والمعرفي واذا كان فارغا لا ينتج غير الضجيج كمطحنة قمح فارغة.
موضوع العقل المعتقل محوري في فكر ادونيس وله مقال بعنوان:
” سجناء الجلد” وهو موضوع مطروح في الفكر الغربي في نقد الايديولوجيا والتمركز الذاتي المرضي
وخطابات السلطة والمواعظ والخ، لكن الاطر والبنيات والعقائد اللاجمة في العالم العربي اضخم ومتغلغلة في هندسة العلاقات الاجتماعية الكبيرة والمجهرية
حتى تلوح ظاهرة” عادية” في مجتمعات مكبلة.
لكن قضية العقل المعتقل حقيقة موضوعية لا يمكن إنكارها وإن كان أدونيس وغيره يتعرضون لها من وجهة النقد الفكري والفلسفي،
لكن الكشوفات العلمية المذهلة ذهبت الى مناطق في العقل غير مكتشفة وغيرت من رؤية الكتاب والمثقفين والفنانين وحتى الثقافة الشعبية في دول ديمقراطية .
ليست الايديولوجيا والتخندق الفكري والتعصب والتحجر والبنى
الاجتماعية الصلبة هي من تعتقل العقل وحدها دائما، ومن ثم بالطبع كل الأحاسيس والمشاعر والعواطف،
لكن كشوفات العلم أثبتت بالتشريح المختبري والصور الشعاعية المقطعية،
عن عوامل بيولوجية متوارثة وخلل عضوي ولادي في الدماغ يصيب بعض الافراد في مراكز خلايا الضمير والعواطف والاحاسيس الطبيعية،
تسبب الاعتقال الذاتي للعقل
كما في حالات الولادات الناقصة للاعضاء الخارجية التي
يمكن معرفتها لكن الاختلال الداخلي غير المرئي يمكن للمصاب ان يغطي عليه من خلال نظام عادات عامة تنسجم مع توقعات المجتمع ومع أقنعة متينة وواجهات
لكنه يعيش جرحه السري بصمت وكل حياته محاولات منهكة للتستر عليه
تستنزف كل طاقة الحياة اليومية:
الذات الطبيعية الملغاة والمطمورة المُحقّرة تخبره كل لحظة إن الذات المصطنعة البديلة الاستعراضية في الواجهة لا تنسجم مع القدرات الحقيقية،
وهو تناقض متواصل مستنزف بين الانا الطبيعية الملغية وبين الانا المزيفة ينتج عنه مشاعر قلق وخوف غامض ومشاعر سلبية كثيرة نتيجة التناقض بين ما يفعل وبين ما يفكر وبين ما يفكر وبين ما يقول كما لو عدة شخصيات في واحد.
غالباً ما نخاطب الضمير البشري لكي يفيق،
وعلى ضوء هذه الكشوفات إتضح أن هذه المخاطبة نوع من الحوار الأصم
مع حيطان صخرية من الغرانيت كما لو تجلد حصاناً ميتاً للسباق.
كيف تخاطب من ولد بضمير معاق بكل تشوهات هذه الاعاقة العضوية من وقاحة وتهور وغياب العواطف السوية وانعدام مشاعر التضامن مع الكوارث والمحن البشرية،
في نوع من ” الثبات الإنفعالي” كأصنام داخل ميدان حرائق وجثث
وانعدام الاخلاص للذات وللاخر والقفز في المواقف؟
التحرر الذاتي ليس مجرد رغبة وارادة فحسب بل هو عملية نمو وولادة مستمرة من قلب ثقافة بديلة ولغة مضادة والثقة العميقة في الحق في الاختلاف لان الحشود ليست معياراً للخطأ والصواب.