فيس وتويتر

حسام السيسي يكتب :قمة الدوحة: حضور بلا أثر في خرائط القوة

صفر، قيمة قادة الدول العربية صفر، أي لا قيمة لهم، إنهم في
المربع الناقص على خريطة النظام العالمي، لا نفوذ لهم، ولا صوت، ولا وجه، وهم قادة مضطهدون من قبل القوة العظمى الأمريكية، وبدورهم يضطهدون شعوبهم” – صحيفة “هآرتس” العبرية.
هذا التوصيف الصادم لا يخرج عن كونه خلاصة لواقع طويل. القمم العربية التي تُعقد موسمًا بعد موسم، تحوّلت إلى مسرح سياسي بارد؛ حضور بلا أثر، بيانات بلا فعل، وكأن الهدف من انعقادها تثبيت صورة “وجود” في حين أن الفعل الاستراتيجي غائب بالكامل.
من منظور جيوسياسي، ما يجري لم يعد مجرد ضعف إرادة، بل إعادة تموضع كامل للعرب خارج دائرة القرار. الخريطة الفعلية للقوة في المنطقة تتحرك بين ثلاث قوى رئيسية: الولايات المتحدة التي تمسك بالخيوط، إسرائيل التي تفرض وقائعها، وإيران التي تملأ الفراغات. أما العالم العربي، فهو يُستدعى للديكور، أو ليؤدي دور “التابع المطيع”.
الجيوستراتيجية هنا واضحة: النظام الإقليمي العربي لم يعد موجودًا إلا بالاسم. القرار السيادي مُعلّق في واشنطن، وحركة العواصم مرهونة بالضوء الأخضر من الخارج. هذا الارتهان للخارج ينعكس داخليًا في صورة أنظمة تُحكم قبضتها أكثر على شعوبها كلما فقدت وزنها الحقيقي في الإقليم. الضعف أمام القوى الكبرى يقابله القمع أمام الداخل، وكأن المعادلة صارت شرطًا لاستمرار الحكم.
حتى عندما اجتمع القادة العرب والمسلمون في الدوحة، عقب الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية، وخرجوا ببيان يدين إسرائيل متضامناً مع قطر ويدعو إلى مراجعة العلاقات معها، بدت القرارات في جوهرها امتدادًا للنمط ذاته: لغة عالية النبرة بلا أدوات تنفيذ، توصيات ثقيلة في الورق وخفيفة في الممارسة. وفوق ذلك، عكست النقاشات داخل القاعة الانقسام ذاته: الجزائر وإيران وتركيا دفعت باتجاه خطوات عملية مثل قطع العلاقات أو فرض عقوبات اقتصادية على تل أبيب، بينما السعودية والإمارات تمسكتا بصياغات فضفاضة تتيح إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة مع واشنطن وتل أبيب، واكتفت مصر والأردن بتأكيد الدعم اللفظي للقضية الفلسطينية مع تجنب أي التزام فعلي يتجاوز حدود البيانات.
الشعوب من جانبها باتت تدرك المعادلة جيدًا: لا تراهن على القمم، ولا تنتظر منها خلاصًا. الفعل المقاوم بات يتجاوز المنظومة الرسمية؛ في غزة تتجسد الحقيقة بوضوح: هناك قوة تُصنع خارج المعادلات الرسمية، وتفرض حضورها على الجميع.
قمة الدوحة ليست حدثًا سياسيًا بقدر ما هي مرآة مكشوفة لأزمة النظام العربي ذاته؛ فراغ في القرار، غياب في الفعل، ومكانة تتآكل يومًا بعد يوم. وصدق توصيف “هآرتس”: نحن أمام مربع ناقص في النظام العالمي، قادة بلا نفوذ، أنظمة بلا سيادة، وشعوب بلا تمثيل حقيقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى