د.فيروزالولي تكتب :الجمهورية الوراثية: المال العام حلال على أهل الحكم في اليمن!

في اليمن، لا حاجة لأن تكون عبقريًا لفهم كيف تُدار الدولة… كل ما عليك فعله هو أن تتخيّل قبيلة كبيرة، اقتسم أفرادها السلطة كما تُقتسم الذبائح في الأعراس.
لا قانون، لا عدالة، لا محاسبة، فقط علاقات دم وقرابة، ومن لا نَسب له، فلا نصيب له!
هنا، المال العام ليس مال الشعب كما تُدرّس كتب الوطنية، بل هو “غنيمة حرب” يتقاسمها من صعدوا إلى كراسي الحكم على ظهر الدبابة، أو عبر التحالفات، أو من نافذة الانقلاب، أو من باب “الثورة”… فالمهم أن تصل، وبعدها “كُل وارضع”.
من الجمهورية إلى الإقطاع العائلي
منذ أكثر من مئة عام، مرورًا بالأئمة، ثم الثوار، ثم الدولة الحديثة، ثم الحكومات الانتقالية، ثم الانقلاب، ثم “الشرعية المهجّرة”… لم يتغيّر شيء سوى اليافطات، أما الجوهر فهو نفسه:
السلطة لمن يملك السلاح أو الولاء، والمناصب لأبناء المسؤولين، والعقود والتوكيلات لأصهارهم، والمغتربات ملاذ لمن لا ظهر له.
ولأننا شعب طيّب، صدّقنا كل مرة أن القادم أفضل، فإذا بنا نُفاجأ أن القادم مجرد نسخة مطورة من السابق… مع عدد أكبر من الأبناء في المناصب.
المنصب يُورَّث، والوظيفة تُهدى، والكفاءة تُركن جانبًا
في اليمن، لا يُطلب من المسؤول أن يكون كفؤًا، بل أن يكون “من أولاد الناس”… والمقصود هنا ليس الأخلاق، بل أن يكون ابن شيخ، أو ابن محافظ، أو ابن قائد لواء، أو على الأقل نسيب أحدهم.
أمّا المواطن العادي، مهما بلغ من التعليم والخبرة، فمكانه محفوظ في الطابور… أو في “الغربة”، إن كان محظوظًا.
المال العام؟ غنيمة لمن أدرك السلطة!
لا أحد هنا يخجل من نهب المال العام.
بالعكس، هناك من يعتبر أن الله رزقه بهذا المنصب ليؤمِّن مستقبل ذريته إلى الجيل السابع.
المسؤول في اليمن لا يرى نفسه موظفًا عند الشعب، بل حاكمًا عليه.
يدخل المنصب متوسط الحال، ويخرج منه بثلاث فلل في القاهرة، ومزرعة في تركيا، وأرصدة لا يجرؤ البنك على نطق أرقامها.
الشعب: يتحمّل، ثم يتحسّر، ثم يهاجر
وبينما تُنهب مقدرات البلاد على مرأى ومسمع الجميع، يُطلب من الشعب التحمل… التحمل في الكهرباء، في الرواتب، في انعدام الخدمات، في طوابير الغاز، في جبهات القتال، في المهجر، وفي الصمت.
وإذا ما تجرأ أحد على السؤال:
“أين ذهبت المليارات؟”
جاءه الرد:
“مش وقتك… البلد في حالة حرب!”
خاتمة: جمهورية بالمظهر، إمبراطورية بالوراثة
في اليمن، نرفع شعار الجمهورية، لكننا نعيش في إقطاعيات.
نتحدث عن الديمقراطية، لكن الواقع يُدار بمبدأ “الولي الفقيه” أو “الشيخ المقدَّس” أو “القائد الضرورة”.
من لم يُولد في بيت السلطة، فمكانه إما في الشارع أو في المقبرة أو في منفى إجباري يسمى “المغترب”.
أما المال العام، فهو “سايب” كما يقولون، و”السائب يُعلِّم النهب”، وقد تعلّموه وتفوقوا فيه حتى صاروا أساتذته.