فيس وتويتر

حسام السيسي يكتب :رهانات مزدوجة: الاتفاق السعودي–الباكستاني في مرآة الفراغ العربي

ما كتبته بالأمس عن الاتفاقية الاستراتيجية بين السعودية وباكستان لم يكن توصيفًا لحظة عابرة، بل قراءة في غياب مشروع أمني عربي حقيقي.
واليوم، ومع تفاعل الأوساط الإقليمية والدولية مع الخبر، يصبح السؤال أكثر إلحاحًا
بالنسبة لي، بدا كنافذة على حجم التغيّرات في خرائط الأمن بالمنطقة، وعلى الفراغ العربي الذي يتسع يومًا بعد آخر.
منذ سنوات، ظلّت فكرة “الأمن القومي العربي” حبيسة بيانات القمم أكثر مما تجسّدت على الأرض. كل محاولة لبناء مظلة جماعية انتهت إما بخلافات داخلية أو ببيانات إنشائية. اليوم، لم تعد الرياض تراهن على هذا الإطار. الاتفاق مع باكستان ليس مجرد تدريبات أو تبادل خبرات كما يحاول البعض تبسيطه، بل هو انعكاس لفقدان الثقة في أي منظومة دفاع عربي جماعي، واعتراف بأن الأمن بات يُبنى عبر تحالفات ثنائية عابرة للجغرافيا.
لكن هنا يبرز التساؤل: هل الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان يعني أن الرياض ستشارك في حرب ضد الهند إذا اندلعت؟
الواقع أن ذلك مستبعد. الاتفاقية أقرب إلى إطار للتعاون، يشمل التدريب وتبادل الخبرات وربما بعض أشكال الدعم الفني. وإذا كان المقصود تحالفًا عسكريًا فعليًا بالمعنى التقليدي، فإن الأولى للسعودية أن تعقده مع دول قريبة جغرافيًا وثقافيًا مثل مصر أو تركيا، لا مع باكستان التي تفصلها آلاف الكيلومترات وصراعات لا تخصّ الأمن العربي المباشر.
ما يزيد المشهد تعقيدًا هو أن هذه الخطوة السعودية جاءت بعد أسابيع قليلة من تردّد الرياض في اتخاذ موقف متشدد تجاه إسرائيل خلال القمة العربية–الإسلامية. كأن القيادة السعودية تختار أن تبني أمنها عبر تحالفات انتقائية، لكنها في الوقت نفسه تتحاشى المواجهة مع إسرائيل. هنا تكمن الرهانات المزدوجة: التوسّع نحو باكستان، مقابل تحاشي الانزلاق في صدام مباشر مع تل أبيب.
أما خليجيًا، فالصورة أكثر تشرذمًا:
الإمارات خرجت فعليًا من أي منظومة عربية–إسلامية جامعة، بعدما رهنت أمنها لإسرائيل عبر اتفاقات أبراهام.
قطر توازن بين تركيا وإيران، وتحاول أن تبقى في موقع مستقل دون الاصطدام بالرياض.
عُمان والكويت تواصلان سياسة الحياد والوساطة.
النتيجة أن مجلس التعاون الخليجي لم يعد إطارًا أمنيًا موحدًا، بل فسيفساء من الرهانات المتناقضة: السعودية نحو باكستان، الإمارات نحو إسرائيل، وقطر نحو تحالفات متعددة.
أخيرًا ما يكشفه الاتفاق السعودي–الباكستاني ليس مجرد تعاون عسكري، بل غياب مشروع أمني عربي جامع، وانكشاف النظام الإقليمي أمام قوى غير عربية. السؤال الذي يبقى مفتوحًا: هل نحن أمام تحوّل استراتيجي يعيد صياغة موازين القوة، أم مجرد رهان تكتيكي مؤقت تفرضه التحولات والضغوط الدولية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى