فيس وتويتر

مصطفي السعيد يكتب :سر المعجزة الصينية (1)

هناك من يقولون إن المعجزة الإقتصادية الصينية تحققت بفضل ابتعادها عن الطريق نحو الإشتراكية، والإتجاه نحو الرأسمالية، وهو رأي يجافي الحقيقةـ فلو كانت الرأسمالية هي من حققت المعجزة الإقتصادية الصينية لكانت أنقذت أعرق الدول الرأسمالية من التدهور الذي يقترب من حافة الإتهيار، فالدولة الرأسمالية الأعرق بريطانيا تحتنق بالديون، وشركاتها تفلس، والإستثمارات تهرب، والبطالة تزيد، والطبقة الوسطى تسقط تحت خط الفقر، وكذلك فرنسا ثاني أكبر إقتصاد في أوروبا، وأمريكا أيضا تحاول بكل السبل أن تجد طريقا للخروج من أزماتها المتفاقمة دون حدوى .. التجربة الصينية لها خصائص غير مسبوقة، جمعت بين عدة أنواع من الملكية، تتنافس لتحقيق أهداف تطوير أدوات الإنتاج، ونجحت في أن تصبح مصنع العالم، وتسبق كل الدول الرأسمالية في البحوث العلمية والإختراعات، واستطاعت أن تنقل 750 مليونا من تحت خط الفقر، لديها 30% من مهندسي العالم. كان انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية خطوة مهمة نعم، لكن سبقتها وتبعتها خطوات مميزة، وتمكنت من الفوز في سباق التجارة العالمية، فكان رد فعل الدول الرأسمالية العريقة أن اتجهت إلى حماية أسواقها المحلية، متخلية عن أحد أهم مبادئ الرأسمالية، بل أعلن ترامب خروج أمريكا من منظمة التجارة العالمية، وأخذ يتخلى عن أسس حرية التجارة والمنافسة “الرأسمالية”، حتى ألمانيا التي كانت قاطرة الإتحاد الأوروبي وضعت العراقيل أمام المنافسة وحرية التجارة لحماية صناعاتها التي كانت فخر الرأسمالية الأوروبية. هناك اختلاف كبير بين مسيرة الصين وباقي البلدان الرأسمالية الإستعمارية، خاصة الولايات المتحدة، التي بنت تراكمها على إبادة السكان الأصليين ثم استعباد الأفارقة، ثم استغلال انهيار إقتصاد أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، لتتولى قيادة الرأسمالية الإستعمارية، بينما بنت الصين إقتصادها بعرق فلاحيها وعمالها، في مسيرة شاقة وتضحيات كبيرة، وعندما فتحت أسواقها للشركات الأجنبية، ومنحتها امتيازات، كانت تقايض جزء من جهد وعرق شعبها بالحصول على المعرفة، فشركة انفيديا الأمريكية مثلا حققت أرباحا تضاعفت 35 مرة باستثماراتها في الصين، وفي المقابل اكتسب مئات آلاف الصينيين خبرات ومعارف. لا يمكن اختزال تجربة الصين في هذه المقولة الزائفة بأن الرأسمالية صنعت الصين، فمن يطلع على تجربة الصين بشكل جاد لا يمكن أن يردد تلك المقولة. أتمنى أن أقدم مقالا مطولا عن التجربة الصينية، وعن النهج الصيني الذي يؤكد أنه يضع أسس دولة إشتراكية لم تكتمل بعد، وأنها دولة نامية تنتمي إلى الجنوب، رغم امتلاكها أحدث بنية تحتية في العالم، وتحقيق أعلى فائض تجاري في العالم، بل أكبر إقتصاد بفارق يزيد عن 40% عن حجم الإقتصاد الأمريكي وفقا لمعايير القوة الشرائية وليست الأرقام الدفترية غير الواقعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى