محمد المحسن يكتب :المشهد العربي المترجرج..في ظل غياب الردع النووي والتكنولوجي..!
-"لا يمكنك أن تحارب التكنولوجيا بالآيديولوجيا "

أسئلة لجوجة تقض مضجعي وتؤرقني :
هل بإمكان القوة العربية مواجهة الردع النووي الإسرائيلي في صورة حدوث حرب شرق أوسطية،تكون إسرائيل طرفاً فيها وهدفاً لها..؟
هل أفضت محادثات السلام،المعلنة والسرية،بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى سلام عادل وشامل،رَدّ فيه الحق لأصحابه،أم أنه كان سلماً وفقاً لمقاس تل أبيب..؟
هل في وسعنا،نحن العرب،في ظل غياب الردع النووي والتكنولوجي،تصحيح توازن القوى،وتحقيق الاستقرار المنشود في المنطقة العربية في إطار توازن المصالح..؟
لو حكّمنا التاريخ وسرنا في سياقاته،لكانت الإجابة عن التساؤلات: قطعاً..لا..فلإسرائيل معادلة واحدة تعتمدها في مفاوضاتها ومهاتراتها مع أطراف النزاع،وهي: الردع النووي الإسرائيلي:خنوع عربي وقبول لا إرادي بالأمر الواقع.
فإسرائيل،التي انبجست عن وعد بلفور المشؤوم سنة 1917،وتجسدت بمقتضاه كياناً غريباً في قلب فلسطين في ما سمي بالنكبة سنة 1948،وإلى يومنا هذا،وهي تعتمد سياسة التقتيل والترهيب،وتلوّح بأسلحة الدمار الشامل في وجه كل مَن يتطاول عليها،أو يحاول الاعتداء على “حدودها”..
ألم تلمّح غولدا مائير،رئيسة وزراء إسرائيل،مراراً وبصورة غامضة،إبان توليها رئاسة الوزراء،وبعد تقاعدها،إلى أنّ لإسرائيل “شيئاً ما ربما تستخدمه في أيّام الشدة”.
ألم تبعث وموشيه دايان،وزير الحرب الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر،بإشارة خاصة إلى البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأميركية،يحذّران فيها من أنّ إسرائيل قد تقدم على استخدام كل ما في وسعها لوقف الهجوم العربي،بعدما اقترب المصريون من ممرات سيناء،وبعدما استعاد السوريون الجولان،ونزلت الدبابات السورية من الهضبة الجبلية،وحاولت الانتشار في أعالي الجليل..
ألم يضطر الرئيس نيكسون إلى إصدار أوامره إلى البنتاغون بإرسال “كل شيء يطير لإسرائيل”في معرض تبرير إقامة الجسر الجوي الأميركي الذي أنقذ إسرائيل،وحوّل وجهة الحرب،بعدما تكبدت خسائر فادحة في صفوف جيشها الذي تزعم أنّه لا يقهر،والحجة الأميركية في ذلك أنّ واشنطن لم تكن تريد من إسرائيل الإقدام على عمل جنوني وانتحاري،باستخدام الأسلحة النووية لوقف التقدّم العربي.
من البديهي اعتبار التهديد النووي الإسرائيلي أخطر التهديدات الاستراتيجية للأمن القومي العربي،إذ تنفرد إسرائيل باحتكارها القدرة النووية العسكرية في المنطقة العربية،وترغم في الوقت نفسه،دول الشرق الأوسط عبر الدبلوماسية الأميركية على الالتزام بحظر إنتاج وحيازة المواد المستخدمة في تصنيع الأسلحة النووية،والتوقيع على اتفاقية حظر وتدمير الأسلحة الكيميائية.
ألم يدفع العراق ثمن امتلاكه الأسلحة المحظورة،بالمنظور الأميركي الإسرائيلي،أكثر من مليون طفل عراقي،حصدهم الموت،علاوة على شعب بأسره رزح تحت نير الاستبداد والموت البطيء،على الرغم من نشاط فرق التفتيش التي شكلتها الأمم المتحدة،والتي دمرت القدرات النووية العراقية عن آخرها حتى أواخر 1992.
ألم تحلّق الطائرات الإسرائيلية في سماء بغداد،وفي حركة استعراضية متبوعة بتدمير مفاعل تموز العراقي سنة 1981..؟
أليس بديهياً أن تتمخّض زيارة الرئيس الصيني جيانغ زيمين إلى إسرائيل في أبريل/ نيسان 2000،وحسب مصادر أوروبية،عن صفقة اغتنمت من ورائها تل أبيب التزاماً وتعهّداً صينيين بالتوقّف عن تزويد الدول العربية،وحتى إيران، بالأسلحة والصواريخ الاستراتيجية،مقابل تفعيل التعاون الصيني الإسرائيلي؟
ألا يلهث الإسرائيليون،اليوم،وراء باكستان،باعتماد أساليب ملتوية للحيلولة دون انتشار”القنبلة الإسلامية”الباكستانية،مخافة حصول دول عربية إسلامية على أسرار تصنيعها..؟
ما أريد أن أقول ؟
أردت القول،أن التفوق العلمي هو سر انتصارات البشرية،وتطور آلات الحروب نتيجة لتطور المؤسسات والمجتمع.
ما يجعل إسرائيل متفوقة هو اهتمامها بالعقل في مجال التقنية الذي منحها الانتصار المستمر حتى هذا اليوم في السلم والحرب،وميزها في الاقتصاد رغم صغر حجم أسواقها.تتقدم في مجالات الأمن السيبراني،والتصنيع العسكري،والذكاء الاصطناعي، والمركبات ذاتية القيادة،والتقنية الطبية،وتقنية الري والزراعة.
وإذن ؟
لا مجال إذا،للتعالي والتكبر،ولا مجال إلا أن نرشّ العطور على التأخّر بوصفه هبة التاريخ،للأمّة العربية والإسلامية ومانح خصوصيتها وشكل تمفصلها في التاريخ..
ولا عجب في كل-هذا وذاك-طالما أنّنا”أمة قاصرة”تجترّ الهزائم،وتتقاتل قبائل وعشائر وطوائف،وتحرّف اتجاه البنادق عن العدوّ الواضح،وتتناسل بسرعة وحشية لتنسي الليالي ما يجري في وضح النهار !
ربّما قد يهاجمني-البعض-على تشاؤمي،إلا أنني على يقين بأنّ الوطن العربي في حالته الراهنة،وإذا ما استمرّت هذه الحالة فسيبقى ولا شك منطقة نفوذ امبريالي،وسيظلّ الكيان الصهيوني المصطنع قائما بفعل واقع العرب ذاته،لأنّ الأمر ببساطة،ليس منوطا بما تملك من امكانيات وبعدد السكّان،بل بإنتاج قوّة إرادة فاعلة كلية،وانتصار فكرة الإنسان الحر في الوطن العربي.
ما أوردنا ذكره من معطيات تمس الواقع العربي عموماً،والفلسطيني خصوصاً،في ظل الهيمنة الإسرائيلية والاستبداد الأميركي،تفضي إلى أنه ليس أمام الأنظمة العربية من اختيارات غير تصحيح توازن القوى المختل الذي يسود المنطقة،والذي بدونه لن يتحقّق سلام شامل وعادل،علما أنّ إسرائيل لا تخشى الحرب،بقدر ما تخاف السلام،وما على العرب إلا تفعيل التعاون في ما بينهم،بنبذ الخلافات وتوحيد الصف لتجاوز المحن،وصناعة مشروع عربي هادف،يعتمد استثمار الثروات المعدنية والزراعية والبترولية والتكنولوجية،ويرسم استراتيجية تهدف إلى امتلاك الرادع الذي يمنع العدوان،ويصحح،في الوقت نفسه مسار التاريخ،ويعيد إليه نبضه المنشود.
على سبيل الخاتمة :
إنّ النهضة لا تتقدّم تلقائيا بما يشبه الحتمية،والحضارة لا تتأثّر بمجرّد الإستخدام الميكانيكي للآلات،والثورة لا تنجز مهامها بالأدعية والأمنيات،بل الإنسان،هو صاحب المعجزة.ولكن المعجزة لا “تتحقّق” إلا بالإرادة الفذّة والموقف النبيل،حيث ينتصر العقل الجديد والوجدان الجديد،نهائيا على فجوة الإنحطاط..