رؤي ومقالات

د.فيروزالولي تكتب :”بعثات بلا بعث.. ودبلوماسية الباك تو ذا فيوتشر!”

تحليل قانوني ساخر لقرارات تعيين متقاعدين من الإنجاز إلى مناصب عليا في الخارجية

في مشهد لا يختلف كثيرًا عن أفلام “العودة إلى المستقبل”، عاد عدد من الشخصيات الدبلوماسية إلى الواجهة بقرارات تعيين صدرت عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وكأننا في دولة لا تمتلك كفاءات شابة، أو كأن ذاكرة الناس قد مُسحت، فلم تعد تتذكر ماذا (لم) يفعل هؤلاء حين كانوا في مناصبهم السابقة.
لنبدأ من حيث يجب أن نبدأ قانونيًا:
أولًا: أين الدستور يا قوم؟
بحسب ما تبقى من الدستور اليمني المؤقت، وما نصّت عليه وثيقة إعلان نقل السلطة في 2022، فإن مجلس القيادة الرئاسي هو مؤسسة جماعية القرار، لا ينفرد فيها رئيس المجلس بالقرارات السيادية — وعلى رأسها تعيين الوزراء والسفراء. ولكن، يبدو أن “فخامة الجميع” أصبح مجرد مصطلح أدبي، لأن ما حدث هو التالي:
تعيين وزير خارجية بقرار انفرادي، دون مشاورة أحد.
تعيين نائب وزير الخارجية من ذات المدرسة – نفس المنهج: لا إنجاز، لا مشورة، لا خجل.
تعيين سفراء في عواصم ثقيلة كـ برلين، واشنطن، وبراغ… كأن السفارات مزارع خاصة، وليست واجهات سيادية لبلد منكوب.
قانونيًا، هذه التعيينات قابلة للطعن، لا بسبب الأسماء فقط، بل لعيب جوهري في الإجراءات: تجاوز مجلس القيادة، تغييب وزارة الخارجية، ومصادرة حق الدولة في التمثيل المسؤول.
ثانيًا: هل الإنجاز شرط؟ لا يبدو ذلك!
حين تبحث في سير هؤلاء المعينين، ستجد صفحات مليئة بالكلام… الخالي من أي أثر ملموس. كل ما يملكونه هو أرشيف من التصريحات العامة، و”حضور باهت” في مؤتمرات بلا نتائج.
من عُيّن وزيرًا للخارجية، سبق أن شغل منصب نائب وزير… ولم نرَ في فترته سوى تحنيط دبلوماسي للعلاقات الخارجية.
من عُيّن نائبًا، عاد بعد سنوات من “الدوران حول الذات” ليتسلّم منصبًا لا يفهم أحد من الداخل كيف سيُدار!
أما السفراء المعينون حديثًا، فقد شغلوا المناصب نفسها سابقًا، بلا أي مكسب سياسي أو اقتصادي يذكر، سوى صور في حفلات استقبال السفراء الجدد لدى رؤساء الدول المضيفة.
هل الإنجاز شرط في التعيين؟ بالطبع لا. الشرط الوحيد الظاهر هنا هو: من يعرف من، ومن يرضى عن من!
ثالثًا: التمديد الأبدي للسفراء
لم يكتفِ صانعو القرار بتدوير “عجينة” الوجوه نفسها، بل أضافوا لها نكهة جديدة: سفراء انتهت فترتهم منذ سنوات… ولا يزالون في مقاعدهم.
في الأعراف الدبلوماسية، السفراء يُقيَّمون، يُستدعون، ويُستبدلون بحسب المصلحة الوطنية.
لكن في بلدنا، يبدو أن العُرف السائد هو: “إذا سافرت فلا تعُد، حتى وإن نسيت لماذا ذهبت!”
رابعًا: قراءة في مستقبل الدبلوماسية… أو ما تبقى منها
كيف يمكن لدولة تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه سياسيًا واقتصاديًا، أن تُدير علاقاتها الخارجية بشخصيات أثبتت فشلها سابقًا؟
كيف يمكن لوزارة أن تُدار بتعيينات فوقية لا تُحترم فيها المؤسسة، ولا يُستشار فيها حتى الوزير ذاته؟
هل ننتظر من هؤلاء أن يفتحوا أبواب العواصم الكبرى، وهم بالكاد يعرفون أسماء وكلاء وزاراتهم؟
أم أن المطلوب فقط: أن تسكن السفارات، وتتقاضى بالدولار، وتُراسل الخارجية كل بضعة أشهر بنصوص ركيكة بلغة مترجمة آليًا؟
خاتمة
التعيينات الأخيرة لا تنتهك فقط نصوصًا قانونية، بل تعبّر عن رغبة ممنهجة في تغييب الكفاءات، وإبقاء الدولة في حلقة مفرغة من تدوير الأسماء ذاتها.
فإذا كنا نعيش عهد “القيادة التوافقية”، فلماذا تُدار الدولة بقرارات أحادية؟
وإذا كنا نبحث عن ترميم سمعة البلاد دبلوماسيًا، فلماذا نُرسل دبلوماسيي الماضي الرديء إلى عواصم المستقبل المحتمل؟
ما نحتاجه اليوم ليس فقط مراجعة قانونية لهذه التعيينات، بل إرادة سياسية حقيقية تقول: لا للفساد، لا للمحاباة، لا لإهانة الدبلوماسية اليمنية.
أما أولئك الذين عادوا دون أن يُطلبهم أحد، فنقول لهم كما قال الشاعر:
“عدتم… والبلاد لم تشتقّ لكم.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى