فيس وتويتر

حسام السيسي يكتب :حل الدولتين في الأمم المتحدة: إعادة إنتاج الوهم أم تصفية القضية؟

بوصفي متخصصًا في الشؤون الدولية، لستُ ممن يهوون التغريد خارج السرب، ولا ممن يقتاتون على تسجيل مواقف انفعالية في لحظة صاخبة.
ما أكتبه هنا محاولة لفهم ما جرى في مؤتمر الأمم المتحدة الأخير حول “حل الدولتين”، ليس من باب المزايدة ولا المعارضة الشكلية، بل من موقع عقلٍ ومنطقٍ يراقب المشهد بعيون مفتوحة.
فبينما تعلن قاعات المنظمة الدولية “الاعتراف بدولة فلسطين”، يعيش أكثر من مليوني إنسان في غزة تحت الإبادة والتهجير القسري. أيّ معنى لهذا الاعتراف إذا كان الدم يسيل أمام العالم، والتهجير يُنفذ على الهواء مباشرة؟
الفكرة التي يُسوّق لها المجتمع الدولي هي “دولة فلسطينية” بلا ملامح محددة. أين ستكون؟ في غور الأردن؟ في جزء من سيناء؟ في السويداء السورية؟ أو حتى في صحراء شمال إفريقيا؟ ما يهم القوى الكبرى ليس إحقاق حق الفلسطينيين، بل ضمان أن هذه الدولة لن تشكل أي تهديد أمني أو ديمغرافي لإسرائيل. بهذا المنطق، تتحول “الدولة” من مشروع تحرر وطني إلى كيان وظيفي، يهدف إلى امتصاص الغضب الدولي وتسكين القضية، لا إلى حلها.
الولايات المتحدة، الراعي التقليدي لإسرائيل، تقدم السلاح بلا توقف، بينما تتحدث عن “حل الدولتين” بلهجة مزدوجة هدفها إدارة الصراع لا حله. أوروبا تعكس حالة انقسام واضحة؛ كلمة رئيس الوزراء الإسباني بدت استثناءً إذ حملت بعدًا أخلاقيًا نادرًا في القاعة، بينما غالبية الأوروبيين اكتفوا بدور شهود زور. أما الأنظمة العربية فبين صمت ثقيل، أو إعادة تدوير لخطاب إنساني عام يخفي عجزًا، أو حتى تواطؤًا.
كيف يمكن الحديث عن “حل الدولتين” بينما الاحتلال العسكري قائم، والمستوطنات تتوسع يومًا بعد يوم، وحق العودة غائب تمامًا عن الطاولة؟ إن جوهر “الحل” المعروض ليس سوى محاولة لإعادة إنتاج الأزمة عبر خلق كيان فلسطيني منزوع السيادة، أشبه بمعازل حديثة تذكّر بتجربة جنوب إفريقيا مع الأبارتهايد.
لقد أثبت المؤتمر الأخير أن الأمم المتحدة تُدار كسيرك سياسي، يعيد تدوير الكلمات بدل مواجهة الحقائق. القرارات الصادرة لا تردع محتلًا ولا توقف نزيفًا، بل تمنح الغطاء لاستمرار الجريمة. إن ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم ليس اعترافًا بدولة بلا سيادة، بل عدالة تاريخية تعيد الأرض والحق والكرامة. العالم كله أمام اختبار: إما أن يكون شاهدًا على التصفية، أو شريكًا في بناء مستقبل عادل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى