رؤي ومقالات

صلاح المختار ىكتب :ثورة عالمية ذات هوية فلسطينية

منذ عشرينات القرن الماضي طرح مصطلح (الثورة العالمية) وكان ذلك بعد ثورة أكتوبر الروسية في عام 1917 حيث ناقش البولشفيك الروس الذين استلموا السلطة كيفية نشر الاشتراكية في العالم، وكان الرد على هذا السؤال هو القيام بثورة عالمية من أجل إقامة نظم اشتراكية في كل دول العالم بصورة متزامنة او متتابعة، فظهر خلاف بين الشيوعيين الروس حول هذا الموضوع،فتروتسكي أصر على أن لا تبنى الاشتراكية في بلد واحد ويجب ان تتحول روسيا إلى قاعدة لانطلاق الثورة في كل أنحاء العالم، لأن بناء الاشتراكية في بلد واحد سيؤدي إلى تطويق ذلك البلد وإجهاض التجربة الاشتراكية فيه لوجود أغلبية من النظم الرأسمالية، وجاء الرد عليه من ستالين ليقول بأن بناء نظام اشتراكي راسخ وقوي في روسيا سوف يؤسس قاعدة انطلاق للثورة العالمية الاشتراكية ، وهكذا أخذت حركات التحرر والتنظيمات الشيوعية تتحدث عن الثورة العالمية في مختلف مراحل النضال في القرن ال20 ، ولكن هذه الثورة العالمية لم تتحقق وبقيت الاشتراكية محصورة في روسيا والصين وكوبا ودول أوروبا الشرقية.
وغاب مصطلح الثورة العالمية ، ولكن الآن ومنذ طوفان الأقصى تتزايد المؤشرات على أن العالم يشهد مقدمات ثورة ذات طبيعة عالمية، وبالفعل فإن إسرائيل كلما أوغلت في جرائم الإبادة الجماعية في فلسطين زادت احتمالات تحول الانتفاضة العالمية الى ثورة عالمية، هذه المرة ليس ضد الرأسمالية بل ضد حارسها الاقليمي : إسرائيل، وبالفعل انتقلت هذه الحالة من احتجاجات في بعض البلدان إلى التوسع تدريجيا لتشمل أغلب دول العالم ، ونظرة إلى ما يجري تؤكد أن العالم في كل قاراته ينتفض ضد إسرائيل وتخرج الملايين يوميا ضدها دعما لفلسطين،وبقوة الانتفاضة العالمية انحنت الحكومات التي كانت ومازالت ممول اسرائيل وحاميها امام عاصفة جماهير الغرب واعترفت بدولة فلسطينية في تعبير لا يخطأ عن تحولات جذرية في العالم .
وطغيان الطابع العالمي للانتفاضة من أجل فلسطين أنتج بعد مرور عامين أهدافا مشتركة بين كل هؤلاء المنتفضين لا تتمثل فقط في إدانة إسرائيل بل في الدعوة لقيام فلسطين الحرة من البحر إلى النهر، وهذا بحد ذاته انقلاب ثوري عالمي لم يسبق له مثيل وهدفه إقامة دولة فلسطينية على كل أرض فلسطين، وكان هذا الهدف مقتصرا على فصائل فلسطينية واحزاب عربية فقط تمثلت في جبهة الرفض .
وما فرض الطابع الجذري والثابت لهذه الانتفاضة العالمية وحولها إلى ثورة بكل ما تعنيه الثورة من معنى هو أن جيل الشباب خصوصا في الغرب ينخرط أكثر فأكثر في هذه الانتفاضة العالمية ويقودها ويقدم التضحيات دون خوف أو تردد من أجل إنهاء الجرائم الإسرائيلية في غزة وعموم فلسطين، وهكذا نرى إن ما حلم به ثوار العالم منذ عشرينات القرن الماضي ولم يتحقق نراه الآن متحققا في ثورة عالمية حقيقية تشمل أغلب دول العالم تتفق حول قاسم مشترك هو إقامة دولة فلسطينية من البحر إلى النهر، وقد لا يكون إنهاء إسرائيل مطروحا مباشرة ولكن في الواقع العملي فإن قيام دولة فلسطينية تشمل كل أرض فلسطين التاريخية يعني زوال إسرائيل الحتمي.
ومما يعزز ذلك هو أن حركة اليهود في العالم لم تعد تقتصر على رفض فئة قليلة منهم لقيام إسرائيل وهي ناطوري كارتا بل أصبحت أغلبية يهود العالم يدينون سياسة نتنياهو خوفا على الديانة اليهودية من الاندثار نتيجة وجود أغلبية ساحقة في العالم معادية للسياسات الإسرائيلية ، وهو ما يشجع على إحياء معاداة اليهود.وما يرعب اليهود في العالم كله هو انه ستكون معاداة اليهود مستندة على حقائق ميدانية شاهدها العالم وهي الإبادة الجماعية اليومية للفلسطينيين بقرار مسبق وإصرار تام من حكومة يهودية،فقد خرقت إسرائيل كل القوانين الدولية والإنسانية فقصفت عمدا المستشفيات ومخازن الغداء ومنعت وصول قوافل الاغاثة وحولت غزة إلى خراب وتجري منذ عدة أيام عملية معلنة رسميا وهي محو غزة من الخارطة عمرانا وسكانا، وهذه جرائم لم يرتكبها قبل اسرائيل اي طرف،والعالم فجع،لانه يرى في شاشات التلفزيون وتفصيليا ابادة لاترحم للاطفال والنساء والتجويع حتى الموت، وهذا بحد ذاته بلور موقفا عالميا مشتركا معاد لإسرائيل يتجذر يوما بعد آخر.
والسؤال المطروح الآن هو التالي: هل أن الدعم الغربي والأمريكي بالذات لنتنياهو يستبطن هدفا مخفيا وهو التخلص من إسرائيل بعد أن أصبحت عبئا استراتيجيا واقتصاديا ونفسيا يتحمله الغرب خصوصا أمريكا، ولكن بعد تشجيع اسرائيل على التخلص من العرب فيضرب الغرب عصفورين بحجر واحد؟
وسواء كان الغرب ينفذ خطة لزوال إسرائيل عبر تشجيعها على ارتكاب الجرائم التي نراها في غزة أم لا فإن الحقيقة الثابتة هي أن نهاية إسرائيل قد أصبحت حتمية بعد أن شاهد العالم كيف أن ما كان يسمى الجيش الذي لا يقهر والذي هزم ثلاثة دول عربية في 6 ساعات في حرب العام 1967 يعجز بعد سنتين من شن الحرب على غزة عن السيطرة عليها وما زالت المقاومة الفلسطينية تقاتله، وهذا ما أدى إلى انهيارات داخلية في إسرائيل حيث أصبح أغلب سكان إسرائيل يتعاطون الحبوب المهدئة بعد أن أصيبوا بأمراض نفسية خطيرة وأخذ مئات الطيارين والضباط يتهربون من الخدمة العسكرية وظهرت نخب من مختلف شرائح إسرائيل تؤكد أن إسرائيل لن تكمل عامها ال80 وستنتهي، وأخذت الهجرة تزداد إلى الخارج وأسرعت العوائل تبعث أبنائها للدراسة في الخارج لكي يبقوا بعيدا عن الحرب ،وشوهدت ظواهر بيع الأملاك والعقارات من قبل كثير من العوائل الإسرائيلية والاستعداد للمغادرة إلى الأبد في تأكيد صارخ على ان الحلم الإسرائيلي قد انتهى وانتهى معه حلم إسرائيل الكبرى، اما ما يبشر به نتنياهو من تغيير الخرائط فهو (خريط) باللهجة العراقية، ويعني لغو فارغ ويهدف من وراءه الى رفع معنويات انهارت وأخفاء هزيمة مدوية لاسرائيل اخلاقيا وسياسيا وانسانيا وقانونيا تحققت .
ما يجري الآن هو ثورة عالمية بكل ما يعنيه هذا المصطلح من معنى، وهذه الثورة لن تتوقف إلا بنهاية إسرائيل.ومن مفارقات الزمن ان اسم هذه الثورة هو(الثورة الفلسطينية العالمية) وهي ثأر من أولئك الذين اغتالوا الثورة الفلسطينية التي كانت محصورة بفلسطين في سبعينيات القرن الماضي. الفلسطينيون وحدهم بشهداءهم ومعذبيهم من فجر حلم البشرية الاقدم: ثورة عالمية تجتاح قلاع الظلم وتسقطها . تحية للشهيدين يحيى السنوار ومحمد الضيف من مناضل بعثي ادان ويدين وسيدين علاقة حماس بأسرائيل الشرقية :ايران، لان فلسطين اكبر من كل الخلافات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى