رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :لا ملائكة في هذا الوطن

ـ الذين لا يقرأون التاريخ محكوم عليهم أن يكرروه*الفيلسوف جورج سنتيانا.
من يقرأ مرويات الأحزاب وتفسيرها لتاريخ الأمس القريب، سيعثر على ثنائية غريبة: هناك دائماً ملائكة في مواجهة شياطين، وضحايا في مواجهة جلادين،
مع ان التاريخ المروي من خارج سرديات هؤلاء جميعاً يقول إن جميع الأحزاب مارست العنف والقتل والاغتيال والاقصاء
والنبذ والتصفية الجسدية والأخلاقية ضد الآخر المختلف. من بين صفوفها او من خارجها وحتى من يخرجون عليها.
يحاول الكردي السياسي طرح نفسه كضحية للعربي،
وهي مغالطة شنيعة لأن العربي العراقي نفسه مارس العنف ضد العربي
المختلف معه في العقيدة، وتحارب الكردي مع الكردي،
وينسى السياسي الكردي أنه هو نفسه مارس القتل بل المذابح ضد جنود أسرى وطيارين في السجون وأشهر الحوادث:
1: إعدام الجنود والطيارين الأسرى عام 1975 بعد نهاية الحركة في سجون كلالة وقضاء جومان ورايات و تلك المذبحة موثقة وشهودها أحياء وأنا أحدهم.
2: إعدام الجنود الأسرى في آذار 1991 في السليمانية وقد وثقها مصور ألماني من الأسر الى الاعدام وعددهم 130 وهم عزل في سبايكر منسية.
3: مجزرة بشتآشان ضد الانصار الشيوعيين في الاول من آيار1983
نفذها حزب الاتحاد الوطني ضد من كانوا يقاتلون معه ضد النظام.
4: وبعد الاحتلال قامت إستخبارات الأحزاب الكردية بعمليات تصفية واسعة
لرجال القانون والأطباء والعلماء والإعلاميين والشخصيات الوطنية
بالتعاون مع مخابرات دولية في عملية تعرف بــــ” التنظيف”،
وإفراغ العراق من الطبقة الوسطى وعرقلة بناء دولة.
في المقابل إرتكب النظام السابق حملات عسكرية واسعة النطاق ضد القرى الكردية ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء من المدنيين.
عندما يحاول السياسي الشيوعي أن يطرح نفسه كضحية للبعثي والقومي،
وهو صحيح أيضاً، لكنه ينسى مجازره في الموصل في قطار السلام وفي كركوك.
لو سيطرت هذه الأحزاب على السلطة يوماً ، وحسب تجارب هذه الاحزاب في العراق،
وفكرة الأحادية والمحو والعدو المختلف وعنفهم ضد بعضهم ومن يختلف معهم، لشهدنا مذابح مروعة بإسم العنف الثوري والعدو الطبقي والثورة المضادة والخ.
يوم إفتتح صدام حسين حكمه المباشر بمذبحة قاعة الخلد في تموز 1979،
أو ما يعرف الحفل الوحشي ضد رفاقه، كانت الأحزاب الأخرى تعتبر المجزرة قضية صراعات داخلية تتعلق بالفئة الحاكمة وليست مجزرة وطنية ضد أبرياء.
حتى الإسلاموي عندما يعرض نفسه ضحية البعثي والقومي والشيوعي،
ينسى تاريخ الحاضر وفكرة الإقصاء والتهميش والغاء الآخر المختلف بل حتى قتله لو تطلب الأمر.
آخر مجزرة بين الاسلاميين في 29 آب 2022 بين انصار الصدر وانصار المالكي في المنطقة الخضراء والنتيجة حوالي 60 ضحية من الطرفين و700 من الجرحى بينهم 110 من قوات الأمن.
مارس الجميع العنف حتى ضمن الحزب الواحد: قتل البعثي بعثيين بتهمة التآمر واليسار والخيانة، وقتل القومي قوميين، وقتل الشيوعي من اللجنة المركزية شيوعيين من القيادة المركزية أو العكس،
وقتل الكردي أكراداً وتحارب معهم،
ودخل الجميع في حرب تصفيات داخل وخارج أحزابهم، فمتى صاروا ملائكة في عالم الشياطين؟
متى صار هؤلاء مناضلين من أجل الحرية وهم جميعاً يحملون العقلية نفسها:الاحتكار والغطرسة والنظرة الأحادية وملكية الحقيقة
والتاريخ والشرف والسلطة؟
هذه أشهر ثلاثة مواقف متناقضة للحزب الشيوعي:
1: قاتل الحزب في الستينات مع الحركة الكردية ضد الجيش.
2: في السبعينات قاتل الحزب الشيوعي مع الجيش ضد الحركة الكردية في الاعوام 1974 ــ 1975 كحليف للنظام في” الجبهة الوطنية” ويمكن العودة الى كتاب الشيوعي القيادي شوكت خزندار” سفر ومحطات: الحزب الشيوعي العراقي من الداخل” الحلقة الرابعة وكيف حول الحزب رفاقه في الشمال الى” جحوش ” في خدمة السلطة في حرب عام 1974 ــــــ 1975 ” حرفياً،
وعندما ذكرت ذلك قبل حوالي شهر “زعلت ” فاطمة المحسن وانسحبت من الصفحة وحسناً فعلتْ لأنها كانت تبحث عن ببغاء في قفص وأنكرت أن يكون الحزب فعل ذلك كما لو ان ما لا تعرفه من حقائق لا وجود له، أي لا وجود موضوعيا للحقيقة بل ” رؤية ذاتية” تلخصها عبارات: أنا لم أسمع بذلك، أنا لم أقرأ ذلك، أنا لا أعرف ذلك الخ. قالت حرفيا” أنا أسمع بذلك لأول مرة” وهذه طبيعة العقل الايديولوجي الصلب وكل ما لا يعرفه ولم يسمع به ينفيه لانه هو محور الكون ومصدر المعرفة.
هذا الصنف حتى لو خرج من الحزب، لكنه بعد عشرات السنوات من التلقين والتلف العقلي والنفسي، لن يخرج من العقلية التي تعمل في الخفاء في كل وجهة نظر وموقف ويظهر ذلك بوضوح منفر عند الاختلاف حيث لغة شرسة تتداخل فيها مفردات سوقية تداخل انياب الكلب بذريعة النقد وتختفي النظريات والعقائد لانها لطش ولم تتجذر في الوجدان العميق وتظهر لغة الدرابين والحانات والمقاهي والشوارع الخلفية.
3: في الثمانينات وفي الحرب الايرانية 1980 قاتل الحزب الشيوعي
مع الحركة الكردية ضد الجيش وكنت شاهداً وشريكاً.
كان الجميع ضحايا وجلادين، والسبب فكرة محورية قائمة على إحتكار السلطة والحقيقة وهي فكرة مستمرة وتنتج مزيداً من العنف الوحشي.
من الغرائب أن الشيوعي لا يحتفل بذكرى المجازر بحق الحركة الاسلامية،
ولا الأحزاب الاسلامية تحتفل بذكرى مذابح الشيوعيين،
ولا القومي العربي يشارك القومي الكردي مآسي الشعب الكردي،
وكل طرف أو حزب يحتفل بضحاياه كما لو أن المجزرة مُلكية عقارية خاصة
لطرف دون آخر،
مع أن الضحايا جميعاً هم ضحايا العنف الأهوج والأعمى، وهم ضحايا وطن أكثر من ضحايا فئة او جماعة،
والإحتفال بذكرى مجزرة هو إحتجاج ضد الجريمة التي طالت الجميع،
والصمت عن مجزرة ورفض أخرى هو منطق مريض ومشوه وإختزالي وقبلي يعني أننا لم نغادر تاريخ الماضي ولا عقليته بل سنكرره.
بناء ذاكرة نظيفة مضادة عكس سرديات النظم والاحزاب المزيفة شرط رئيس للمعرفة والشرف ايضا وخطوة نحو المستقبل الذي لا يتأسس فوق بحيرة من الاكاذيب.
ـــــــــــــ الصورة : مصور ألماني كان حاضراً عندما سلم الجنود أنفسهم في آذار 1991 الى حزب الاتحاد الوطني في السليمانية، تم اعدامهم في قاعة بحضور المصور ويرفض الفيس بوك الصور لبشاعتها،
وقد وثق الحدث ووضع كتابا بالالمانية والانكليزية عنوانه” جريمة حرب”.
تم اعدام بعضهم بالبلوك على الرأس. واضح من الصورة ان الجنود في حالة استرخاء وليس في وضعية قتالية. أين رفات هؤلاء؟ ثلاثة من قيادي الحزب والقرار يومها هم: جلال الطالباني وبرهم صالح وعبد اللطيف رشيد صاروا رؤساء جمهورية. هذا النوع من الجرائم لا يسقط بالتقادم وتظل القضية مفتوحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى