رؤي ومقالات

مصطفي السعيد يكتب :الورشة أو الفيللا .. خيارات التنمية بين السماسرة والصنايعية

لو سألت أي صنايعي في أي ورشة “لو معاك 50 مليون جنيه، يكفوا تشتري حاجه من اتنين، إما فيللا فخمة أو ورشة .. تختار إيه؟” هيقول على طول أشتري ورشة طبعا، لأن الورشة هتكسب فلوس كويسة، وممكن أأجر شقة حلوه، ولو ربنا فتحها عليا ممكن أشتري فيللا صغيرة بعد كده، ولو سألته ليه مش فيللا فخمة، هيقول ” أصرف عليها منين كهربا ومية وحراسة وجنايني وشغالين؟” هاكون مجبر استلف عشان أعيش فيها، وممكن اضطر أبيعها بعد فترة، وأخسر كتير وابقى مديون .. الكلام البسيط اللي ممكن يقوله أي صنايعي في أصغر ورشة في مصر أعمق وأصح بكتير من سياسات حكومتنا، يعني لو سألت الدكتور مدبولي رئيس الحكومة ليه مفيش سكان تقريبا في المنصورة الجديدة على سبيل المثال مش هيلاقي إجابة مقنعة، والسبب إن سكان المنصورة الجديدة مش هيلاقوا مكان شغل قريب منهم، فليه يدفعوا كام مليون عشان شقة صعب يسكنوها – لكن حكومتنا ليها نظرية سبق تجربتها وحققت نجاح كبير في نظرها، وكان الدافع لبناء مئات المنتجعات والكومباوندات ومئات آلاف الشاليهات والفيللات والقصور، سمعت ملخص السياسة دي من أحد كبار المسئولين على فضائية مصرية، لما قال تصوروا سعر المتر كان بكام في ضواحي مدينة العلمين الجديدة، ودلوقتي بكام؟ كان بربع جنيه ودلوقتي بعشرات آلاف الجنيهات، وقال رقم كبير جدا على مكان محدد هناك – يعني كسبنا آلاف أضعاف سعره. طبعا الكلام يبدو مقنع جدا، حاجة كانت بأقل من جنيه وبقت بعشرات آلاف الجنيهات، يعني مكسب مهول .. الجملة دي بتلخص كتير من سلوكيات وخطط ورؤية الحكومة للتنمية، اعمل شوية طرق، قسم الأراضي حواليها، بعها مباشرة أو من خلال سماسرة بقى اسمهم “مطورين عقاريين”، اكسب وكسبهم من غير دوشة إنتاج ووجع دماغ، وربح قليل ومش مضمون كمان.. ساعد في توسع النظرية دي إن ناس كتير لقت إنها لما تشتري شقة أو فيللا سعرها بيزيد بعد كده أكتر من أي مشروع أو ادخار في البنوك، وانتعشت المضاربة، وبقى ناس كتير تشتري مش عشان تسكن، لا طبعا عشان تضارب وتكسب أو على الأقل تحافظ على قيمة مدخراتها، لكن مع توسع العملية دي بقى عندنا شقق فاخرة وشاليهات وفيللات وقصور أكتر بكتير من اللي يقدروا يشتروا ، خصوصا مع تدهور حال الطبقة الوسطى، اللي نزلت للحضيض في أغلبها، وطبقة جديدة من السماسرة ووكلاء مع تجار أصبحوا مليارديرات في سنوات قليلة، وعندهم أكتر مما يكفي أجيال، شوفنا ظاهرة الكومباوندات وأسوارها وحراسها، وناس بتصرف بمنتهى البذخ وناس تانية تشقى عشان تلاقي تاكل بس. لما بدأ التراجع في شراء الأراضي والشقق الفاخرة والفيللات والقصور والشاليهات، بدأت الحكومة تراهن على مشترين من بره، سواء مصريين أو خليجيين، وماشية في نفس السكة الغلط، بل حصل شيء غريب ماحصلش في أي دولة في العالم، شق نهر عكس انحدار الأرض، محتاج محطات رفع وتحلية مية بأسعار وتكاليف مهولة، وقالوا إنهم هيبنوا على مسارها فييلات ومنتجعات جديدة مطلة على النهر بأسعار خرافية، ومن عوائدها نستصلح أرض زراعية – طبعا الكلام يبدو معقول، لكن ليه ما توفرش تكاليف شق النهر ومحطات التحلية والرفع، ونستغل مية تنقية الصرف الزراعي في ري الأراضي القريبة منها، أو أماكن زي مفيض توشكى وما حوله، ونوصلها لغاية الواحات في انحدار طبيعي، وممكن توصل المية المتوفرة في النيل إلى منخفض القطارة بانحدار طبيعي قليل التكلفة بالمقارنة بنهر عكس انحدار الأرض؟ اللي حصل ده هيعمل أزمة تكبر وتكبر بمضي الوقت، مفيش مشترين جدد لكل ده، والتسقيع الطويل بيقلل السعر مش بيرفعه، لأن فيه فوايد بنوك كبيرة كان بياخدها السماسرة “أقصد المطورين العقاريين”، ومضطرين يدفعوا كتير، وضغطوا على الحكومة تخفض سعر فايدة البنوك، ونجيب ساويرس قال ده بكل صراحة وحدة، بس خفض الفايدة في التوقيت ده هيزود التضخم .. مش مشكلة عند الحكومة لأن التضخم بيوجع الطبقات الفقيرة والمتوسطة بس – طيب هل فيه حل؟ أيوه من وجهة نظرهم يبيعوا لدول الخليج مثلا أو مستثمرين من بره – بس الدول والمستثمرين ممكن يبيعوا لمين؟ – طيب ممكن نطبق قانون طرد المستأجرين، ويضطر بعضهم يشتري؟ أيوه ممكن بس حل مؤقت ومش كفاية أبدا – والحل المنطقي إيه؟ نشوف إيه اللي عملته دولة زي الصين، كانت تمنح الأرض بخدماتها مجانا، بس بشرط إقامة مشروعات صناعية حديثة وواعدة، وتسحب الأرض من غير الجادين، وبكده ارتفع انتاجها وجذبت استثمارات منتجة ومتطورة – وبتحدد نوع الصناعات والمشروعات اللي محتجاها الدولة للسوق المحلي أو التصدير – يعني لازم وقف أو الحد من “التطوير العقاري” غير المنتج بسرعة، ونوجه الفلوس لمشروعات إنتاجية ولو الدولة خصصت الأرض ببلاش – دي رؤية مختلفة تماما لأن نتايجها على المدى البعيد هايلة، لكن نظرية المضاربة والسمسرة بتجيب نتايج كويسة سريعة لكن مؤقتة– دا مش معناه إن كل التوسع العمراني غلط، لكن التوسع بيبدأ من مشروعات تجذب سكان، مش مجرد مباني فخمة من غير قطاع إنتاجي يشغل الناس، ومش كل إنشاء الطرق غلط، فيه طرق مهمة تسهل التنقل وتخدم المشروعات الإنتاجية، وطرق تانية ملهاش لازمة على الأقل دلوقتي – يبقى نعيش على أدنا، ونبدأ بالورشة مش الفيللا – ونسمع كلام الصنايعي، وبلاش نسمع كلام الدكتور مدبولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى