حسام السيسي يكتب :قراءة لخطاب بدر عبدالعاطي حول سد النهضة

في خطاب رسمي ألقاه وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، شدّد على أن “إثيوبيا توهمت أن مصر ستنسى حقوقها ومصالحها الوجودية من نهر النيل”. هذا البيان لم يكن مجرد جملة دبلوماسية، بل يُشكل قلب الموقف المصري الرسمي حول ملف سد النهضة، ويكشف الكثير عن الاستراتيجية السياسية والبنيوية لمصر في التعامل مع القضية.
الخطاب يعكس ثبات القاهرة على الحقوق التاريخية والقانونية، ويؤكد أن أي محاولة للتصرف الأحادي في الموارد المائية لن تمر دون مواجهة دبلوماسية وسياسية.
ومع ذلك، يفتقر الخطاب إلى التفاصيل الفنية أو مقترحات التفاوض العملية التي قد تعزز موقف مصر أمام المجتمع الدولي. هذا الأسلوب الرسمي المتحفظ يوضح التحديات البنيوية التي تواجه مصر: الاعتماد شبه الكامل على النيل كمورد حيوي، والحاجة إلى التأكيد على الحقوق دون كشف استراتيجية الضغط الكامل، ما يترك فجوة في القدرة على الإقناع الدولي.
في المقابل، ترى إثيوبيا في سد النهضة مشروعًا محوريًا للتنمية الوطنية، يسعى لتوليد الكهرباء وتحريك الاقتصاد، وتقدم المشروع كأداة للتعاون الإقليمي ضمن اتفاقيات إطار حوض النيل. اللغة الإيجابية والإعلامية التي تستخدمها أديس أبابا تجعلها تبدو كدولة مسؤولة ومطورة، وتمنحها نفوذًا على المستوى الدولي، رغم التوترات المحتملة مع مصر.
التحليل الاستراتيجي يظهر أن الفجوة بين الخطابين تتجاوز الكلمات: خطاب بدر عبدالعاطي يعكس موقفًا دفاعيًا مستندًا إلى الحقوق التاريخية، بينما الإثيوبيون يحولون المشروع الداخلي إلى أداة تنموية ودولية. لذا، يتطلب الموقف المصري أكثر من التحذير الدبلوماسي؛ يحتاج إلى مزيج من الحزم القانوني، التخطيط الفني، والإقناع الإعلامي والدولي، لتحويل الخطاب الرسمي إلى أداة ضغط واقعية وفعالة.
باختصار، قراءة خطاب بدر عبدالعاطي تكشف أن الصراع حول سد النهضة ليس مجرد نزاع مائي، بل تحدٍّ استراتيجي بنيوي وسياسي، يحتاج إلى صياغة خطاب متوازن بين الدفاع عن الحقوق الوطنية واستراتيجية عملية لإقناع المجتمع الدولي، مع إدراك ذكاء الاستراتيجية الإثيوبية في تسويق المشروع.