د. فيروز الولي تكتب:الخارجية اليمنية: جهاز تمثيل أم متحف سياسي؟

في بلد يُدار بمنطق التوريث السياسي وتُوزّع المناصب بالولاء لا بالكفاءة، تتحوّل المؤسسات السيادية إلى كيانات جامدة، وتُختزل المهام الوطنية في مساحات المجاملة والمحسوبية. هكذا تحوّلت وزارة الخارجية اليمنية، التي يُفترض أن تكون الواجهة الحضارية للدولة، إلى ما يشبه “متحف سياسي” أو “دار رعاية للمسنين الدبلوماسيين”.
سفراء مدى الحياة: الولاء بدل الكفاءة
يبدو أن مفهوم “السفير مدى الحياة” هو اختراع يمني خالص، إذ لا تزال أسماء مثل:
مروان عبدالله نعمان
أحمد عبدالله الباشا
ياسين سعيد نعمان (من مواليد 1947، ويشغل منصب سفير اليمن في لندن منذ 2015)
حسين عبدالله العمري (من مواليد 1944، دبلوماسي مخضرم)
…حاضرة في المشهد الدبلوماسي منذ عقود، دون مراجعة لأدائهم أو تقييم لمردودهم.
لا يتعلق الأمر هنا بكفاءات استثنائية أو منجزات دبلوماسية، بل بعلاقات قديمة، وولاءات “ثورية” وعائلية من أيام الأبيض والأسود.
ومما يثير الانتباه – أو السخرية – أن تعيين بعض هؤلاء لم يكن بناءً على مؤهلات دبلوماسية أو رؤية استراتيجية، بل على استماتة من شخصيات محسوبة على تيارات نافذة. فقد لعب كل من جدو شائع الزنداني ونائبه مصطفى دورًا مباشرًا في فرض تعيين كل من مروان نعمان وأحمد الباشا، في واحدة من أبرز صور التدخل الحزبي والمناطقي في مؤسسات الدولة السيادية.
في بلد تحكمه العائلة السياسية، قد تكون الجدارة الوحيدة المطلوبة أن تكون “من أيام الجبهة”، أو أنك “كنت تقرأ كثيرًا”.
الركود بدل الديناميكية: التمثيل بلا تمثيل
في معظم الدول، يتغير السفراء كل بضع سنوات، ويُعاد تقييمهم بشكل دوري. لكن في اليمن، السفير لا يُنقل إلا بوفاة أو بخلاف مع “ولي الأمر”، ما يجعل السفارات تتحول إلى زوايا نسيان إداري، حيث تنتظر الملفات أن يتذكّرها أحد، أو يتكرم الوزير باتصال.
تُشير تقارير رقابية يمنية (2010–2020) إلى أن 60٪ من السفراء الحاليين تجاوزوا سن التقاعد القانوني، وأن نحو 70٪ من المناصب لم تُشهد فيها حركة تدوير وظيفي منذ أكثر من عقد.
صورة قاتمة للجاليات اليمنية
السفارات، التي يُفترض أن تكون سندًا للمواطن في الخارج، باتت بعيدة عن نبض الجاليات. كثير من اليمنيين في المهجر يشكون من سوء الخدمات، بطء الإجراءات، أو حتى الغياب الكامل للتواصل مع السفراء أو الطواقم.
أحد المغتربين قال ساخرًا:
“أرسلت استفسارًا للسفارة منذ عام 2017… وربما أتلقى الرد في 2030، إن لم يتقاعد البريد الإلكتروني!”
الوزارة أم دار الرعاية؟ التشابه مدهش
دار رعاية المسنين وزارة الخارجية اليمنية
إقامة دائمة مناصب مدى الحياة
لا تقييم للنزلاء لا تقييم للسفراء
برامج ترفيه يومية اجتماعات شكلية فارغة
أمل في زيارة الأبناء أمل في اتصال الوزير
لا محاسبة لا مساءلة
الحل: تجديد لا تصفية
لا أحد يطالب بمجزرة إدارية، بل بمنح تقاعد كريم لمن خدموا، وفتح المجال أمام طاقات شابة مؤهلة، تجيد اللغات، وتواكب التحولات الدولية، وتُحسن تمثيل اليمن بقوة وكفاءة.
اقتراحات – ساخرة لكنها منطقية
1. تحويل الوزارة رسميًا إلى “دار رعاية المسنين الخارجية”، وطلب تمويل من منظمات الأمم المتحدة.
2. إصدار بطاقة “خصم العمر الدبلوماسي” لمن تجاوزوا 60 عامًا في مناصبهم.
3. منح وسام “الصمود القاعدي” لمن بقي في منصبه أكثر من 25 سنة دون تغيير.
4. تحديث شعار الوزارة ليصبح:
“نحن لا نغادر… نحن نُؤرّخ!”
في الختام…
بينما تتغير دبلوماسيات العالم تبعًا للواقع المتحوّل، ما تزال الخارجية اليمنية تُدار كأنها حديقة خلفية لأصدقاء النظام. والسؤال الذي يجب أن يُطرح:
هل نريد وزارة تُمثّل اليمن في الخارج، أم دارًا تؤوي رموزه في الداخل؟
كما قال أحد المراقبين ذات مرة:
“في الخارج يتغير السفراء، وفي اليمن يتقاعد الوطن.”
المراجع:
الدستور اليمني – المواد (5، 7، 24)
قانون السلك الدبلوماسي اليمني – الباب الثالث
تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة (2010–2020)
وثائق داخلية مسربة عبر “يمن ويكلي” و”عدن تايمز”
بيانات ويكيبيديا وتقارير إعلامية عن أعمار ومهام بعض السفراء