كتاب وشعراء

أكاذيب الضوء التي تعلّقنا من رقابنا…..بقلم محب خيري الجمال

(1)
في كل صباح،
أنظّف الغبار عن جسدي
كما لو أنني أعدّه للبيع.
تغادرني الأحلام، واحدةً تلو الأخرى،
مثل نساءٍ أُرهقن من الانتظار عند نوافذ لا تُفتح.
كنتُ أظن أنني سأصير شاعرًا حين أكبر،
لكنني كبرتُ دون أن يتّسع لي بيتٌ،
أو تضيق بي قصيدة.
كلّ ما حدث أنني نسيتُ أين وضعتُ
أول تنهيدةٍ تشبه جُرحًا بلا توقيع.
(2)
الزجاجة التي كُسرتْ ذات حفلٍ قديم،
تحوّلت الآن إلى نافذة في بيت شاعر أعمى.
حين أقترب منها
أشعر أنني أنظر من خلالها إلى الداخل،
لا إلى الخارج،
كأن الجدران تقرأني،
لا العكس.
في الغرفة المجاورة،
ثمة كائن يشبهني
يحاول عبثًا أن يتذكّر
لماذا اختار أن يكون حيًّا
بدل أن يواصل نومه الطويل كرماد.
(3)
رأيتُ ظلّي يجرّني في الطريق
كعبدٍ يحرس سيدهُ الميت.
أشرتُ إليه أن يتوقّف
لكنه كان مشغولاً بتفكيك اسمي
إلى مقاطعَ تشبه الأناشيد
التي لا تُغنّى.
ظلّي يعرف أنني فقدتُ القدرة
على حبّ نفسي
منذ أن كتبتُ اسمي ذات مساء
على جسد امرأةٍ تشبه الحريق.
(4)
في العيادة،
طبيب الأسنان يفتح فمي
كأنّه يبحث عن صرخةٍ قديمة
تاهت في حنجرتي.
في السوق،
امرأة تبيع البرتقال
كما لو كانت توزّع الأطفال المفقودين.
في المقهى،
رجل يشرب القهوة ببطء
كأنه يبتلع آخر أيامه.
أما أنا،
فأكتب لأن الكتابة
لا تحتاج إلى تأمين ضد الكوارث.
(5)
كلّ فكرةٍ جميلةٍ
كانت في الأصل فاجعة
تجمّلت بالكلمات.
حتى الطير
حين يُغنّي على شجرةٍ مبتورة
يعلم أنه لا يملك مكانًا للعودة.
الماء الذي سقط من عينيكِ ذات غياب
أعاد ترتيب هذا الكوكب.
صار للألم جدولٌ زمنيّ،
وصار للحبّ نظامٌ شبيهٌ بجرائم الحرب.
(6)
قال لي رجلٌ يمشي إلى الخلف:
الوقت لا يمضي، نحن من ينقرض.
أخذتُ كلماته
ووضعتها في حوض الزهور.
في اليوم التالي، نبتتْ مرايا
كلّ واحدةٍ تُري صورتي
كما لو أنني أنظر إلى حياتي من حفرةٍ عميقةٍ حفرها شخصٌ يشبهني ولم يخبرني لماذا.
عند المساء،
أغلقتُ الستائر
كي لا يرى القمر كيف أخافُ من ضوئه.
(7)
الملاك الذي نسيه الشاعر فوق السطح
يلعب بالحجارة
وينحت من العتمة
سلالم للهرب.
قلت له:
لماذا لا تطير؟
فأجابني:
أجنحتي مصنوعة من القصائد،
وأنت تعرف أن الشعر
لا يُقِلّ أحدًا إلى السماء،
بل يسقطنا على رؤوسنا
بطريقةٍ أنيقة.
(😎
حين كنتُ طفلاً
ظننت أن الجبال
مجرّد سلاحف عظيمة تنام ببطء.
وحين كبرتُ،
فهمتُ أن السلحفاة الوحيدة
هي قلبي
الذي كلّما حاول أن يسبق الألم
عاد إليه.
(9)
الأصوات التي تُوقظني من نومي
لا تأتي من الخارج.
إنها تحرّك الكراسي في رأسي،
تغيّر أماكن الأثاث في الذاكرة،
تُطفئ النور،
وتشعل التلفاز على قناة
تبثُّ موتي بالتقسيط.
(10)
أفكّر أن أتبرّع بجثتي
لصانع كراسي،
لعلّ أحدهم
يجلس ذات يومٍ على صدري
ويقول:
هذا مريحٌ بما يكفي
لنسيان العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى