رؤي ومقالات

السفير احمد مجاهد يكتب :خطة ترامب

تحمل الخطة فى طياتها بذور فنائها: درجة “الافترا” وفرض الإذعان فيها لا تسمح بنجاحها بشكلها وعناصرها الحاليين (تناول عدد من كبار الكتاب تفاصيل الخطة بالتحليل والتعليق).
الخطة نتنياهوية فى صلبها، مغلفة بلمسات ترامبية، منطلقاتها عنصرية تتعامل مع الشعب الفلسطينى وشعوب ودول المنطقة على أنهم “زائدة دودية حضارية”، أو “لا شئ”، او فى أحسن الأحوال سكان عشوائيات عنيفة ينبغى انتشالهم وترقيتهم وتحضيرهم للانتقال فى مساكن فارهة “شيك” بقيم جديدة.
تتأسس الخطة أيضا على عقيدة صهيونية-إفانجيليكية تدفع لانتصار إسرائيل استعجالا لعودة المسيح المخلص، والإسراع بألفية نهاية الزمان (الذى – للمفارقة- يقضى فيه المسيح بعد عودته على اليهود ليعيش العالم فى إيمان وسلام، وفق رواية الصهيونية-الإفانجيليكانية).
كما تقوم خطة ترامب على أسس شخصية لطرفيها: نتنياهو لدخول التاريخ الإسرائيلى بدلا من السجن، وترامب لتحقيق أحلامه الغريبة فى الحصول على جائزة نوبل للسلام “بالعافية”، وأيضا لتعزيز شعبيته لدى قاعدته الانتخابية الواسعة من الصهيونيين-الإفانجيليكان.
وبطبيعة الحال تتعلق الخطة بأسباب استراتيجية، تتصل -من وجهة نظر نتنياهو- بضرورة اغتنام لحظة الزخم العسكرى الإسرائيلى فى المنطقة، وفرض الامتداد الميدانى وسلام الردع الدائم مرة واحدة وللأبد،
و-من وجهة نظر ترامب- تأديب أولئك الذين لا يؤمنون بجبروته فى المنطقة من ناحية، وللحفاظ على مصدر دخل ابتزازى دائم لإدارته وله ولأسرته من ناحية أخرى، واستراتيجيا، من خلال الإبقاء على حصن متقدم أمريكى فى الشرق الاوسط للحفاظ على طرق نقل المحروقات، ومواجهة الصين، والحذر الدائم من القدرة المصرية الكامنة.
(بين قوسين: على الأرجح، ترامب عليه مستمسكات من نتنياهو، شئ من قبيل صور فاضحة بشكل يندى له الجبين، أو تهديدات فائقة لمستقبله السياسى أو الاقتصادى أو لحياته).
من الواضح أن كل الدول العربية والإسلامية التى رحبت بخطة ترامب -ربما باستثناء دولة أو دولتين- تحاول امتصاصه و”تأخده على قد عقله” حتى تفشل خطته وحدها، اقتناعا منها بأن الخطة خطة تلفيقية مركبة بلا مستقبل، شكلها خطة مطور عقارى دولى هدفه الأول الربح المادى (على حساب غزة والفلسطينيين ولكن أيضا وبقدر ما على حساب نتنياهو وإسرائيل)، وصلبها وصاية استعمارية أمريكية مباشرة فى قلب المنطقة، لصالح شبكة من المصالح الدولية والإقليمية -الظاهرة والباطنة- فى القلب منها إسرائيل.
مع ذلك، فى ظل مأزق “كاتش ٢٢” الذى يواجه جميع أطراف المشهد وعدم وجود حل مرض وعدم قدرة أى طرف على تحقيق او إعلان الانتصار، ورغبة الجميع فى إنهاء هذه الحرب الإسرائيلية التى أحرجت الكثيرين بجرائمها وطالت أكثر مما ينبغى، ستحاول بعض الدول بذل جهود حثيثة لإقناع حماس بالقبول، وقد تعلن حماس موافقتها مع بعض التعديلات.
ويظل المحك الحقيقى هو من يحكم غزة، ومن يملك سلاحها. يريد ترامب -فى مقابل إقناعه نتنياهو بمنع التهجير القسرى للفلسطينيين- أن يورط دولا عربية وإسلامية فى إدارة غزة، سواء بقواتها او بالاعتماد على ميليشيات فلسطينية تتعامل مع إسرائيل. وهو مأزق الدول العربية الإسلامية الكبيرة أذكى من أن تقع فيه، إلا إذا أعربت حماس صراحة عن ترحيبها بذلك. وحتى فى هذه الحالة، فإن تحمل أى دولة عربية أو إسلامية المسؤولية عن إدارة نتائج الحرب الإجرامية الإسرائيلية سيكون أمرا يستحق التفكير والدراسة بشكل دقيق قبل إبداء الموافقة عليه.
لا يمكن للصفقات الأمنية-العقارية وحدها أن تحل مشكلات سياسية دولية، لا سيما إن كانت هذه الصفقات فجة فى انحيازها، وبالذات فى حالة المشكلات ذات الطبيعة المركبة مثل القضية الفلسطينية، التى يختلط فيها التاريخى بالدينى بالقومى بالاستراتيجى.
الخطة المصرية-العربية المطروحة فى مارس ٢٠٢٥ جيدة. ليست مثالية، ولكنها ما زالت أكثر طرق الخروج واقعية. ومن المحتمل أن يتم اللجوء إليها فى نهاية الأمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى