حسام السيسي يكتب :الممالك بين الحصانة والوهم: من المغرب إلى الخليج

ما يجري في المغرب اليوم ليس مجرد احتجاجات مطلبية عابرة، بل لحظة فارقة تختبر صلابة أحد أعرق الأنظمة الملكية في المنطقة. فحركة
GenZ 212
التي يقودها شباب جيل جديد ليست تعبيرًا عن غضب وقتي، بل عن وعي متنامٍ بحقوق يعتبرونها بديهية: صحة وتعليم وخدمات عامة وفرص عمل تضمن الكرامة.
وحين تُقابل هذه المطالب بالتجاهل أو الرد الأمني، فإنها تتحول سريعًا من قضية اجتماعية إلى أزمة سياسية تهدد شرعية الحكم.
ولعل خطورة الموقف أن المغرب طالما قُدِّم كنموذج للملكية الإصلاحية التي نجحت في تجنب مصير أنظمة أخرى، لكن التراكمات الاقتصادية والاجتماعية اليوم تضع هذه الصورة على المحك، وتجعل أي فشل في الاحتواء الواقعي للأزمة أشبه بزلزال سياسي يتجاوز حدود المملكة.
في الخليج تبدو الصورة أكثر بريقًا لكنها لا تخلو من هشاشة داخلية. الإمارات وقطر على سبيل المثال تبدوان محصنتين بفضل قلة عدد السكان وارتفاع مستويات الرفاهية، غير أن هذه الحصانة ليست نتاج عقد اجتماعي متين، بل قائمة على توزيع الريع وثقافة الاستهلاك.
وقد كشفت أزمة غزة هذا التناقض بوضوح حين تزامن نزيف الدماء في القطاع مع استمرار مشاهد الترفيه والاحتفالات في الخليج، بما عرّى الخلل الأخلاقي والسياسي وأظهر أن الاستقرار قد يكون أحيانًا مجرد غطاء هش يخفي فراغًا عميقًا في الشرعية.
أما الجمهوريات العربية فتعاني مأزقًا أكثر خطورة. فبينما تمنح الملكيات لنفسها رمزية تاريخية أو دينية توفر لها بعض الشرعية، تفتقد الجمهوريات حتى هذا الرصيد. هنا يتجلى الانهيار بوضوح في شكل فساد مستشرٍ، مؤسسات مترهلة، خدمات متدهورة، وفجوة متسعة بين الدولة والمجتمع. من مصر إلى تونس إلى لبنان تبدو هذه الكيانات أقرب إلى دول مترنحة على شفا الانهيار، يتآكلها الضعف من الداخل أكثر مما يهددها الخارج.
بهذا المعنى يصبح المشهد العربي الراهن قائمًا على معادلة مضطربة: ملكيات تبدو محصنة لكنها مكشوفة عند أول أزمة كبرى، وجمهوريات منهكة تنخرها الأزمات الداخلية. وإذا كان المغرب يمثل اليوم الحلقة الأضعف في منظومة الممالك، فإن اهتزاز شرعيته أو سقوطه لن يظل شأنًا داخليًا بل زلزالًا يعيد رسم الخريطة ويكشف أن كل هذه الكيانات، من الخليج إلى المحيط، واقفة فوق أرضية زلقة، مهما تفاوتت مستويات الرفاهية أو الفقر، .وأن وهم الحصانة لا يصمد طويلًا أمام اختبار الشارع. فالمنطقة برمّتها قد تكون على أعتاب إعادة فرز تاريخية، حيث تكفي شرارة واحدة – في المغرب أو غيره – لتفتح الباب أمام سلسلة تحولات تتجاوز الحدود، وتعيد صياغة معادلة الحكم والاستقرار في العالم العربي.