جمال محمد غيطتس يكتب :لجنة تطوير الإعلام: طبيب يعالج مخنوقاً دون امتلاكه قرار فك الخنق وأدواته

صدر الأمس قرار السيد رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة رئيسية لتطوير الإعلام المصري، تختص بإعداد خارطة طريق متكاملة لتطوير الإعلام المصري، تتضمن المستهدفات بشكلٍ واضح، بما في ذلك توصيف الوضع، والتحديات التي يتعين التعامل معها، وتحديد الجهات والأشخاص المنوط بهم تنفيذ الخارطة بشكل فاعل.
والحقيقة قلبي مع ما تضمه اللجنة الموقرة من زملاء أعزاء وأساتذة أجلاء أعرف قدرهم، على رأسهم أستاذتي الجليلة الرائعة الأستاذة سناء البيسي متعها الله بالصحة، فقد جاء اختصاص اللجنة على هذا النحو في حين أن الأعمى والبصير والقاصي والداني، والعارف والجاهل، جميعهم يعلمون علم اليقين أن الإعلام المصري مخنوقٌ بفعل فاعل جهاراً نهاراً، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، وجل ما يصدر عنه صنف من “المحتوى” يصعب تصنيفه على أنه محتوى صحفي احترافي، بل شيء آخر اختاره وصممه ويعرفه من يطبقون الخنق.
والأعمى والبصير والقاصي والداني، والعارف والجاهل، جميعهم يعلمون علم اليقين أن قرار الخنق ليس بيد اللجنة، فهو سابق على تشكيلها، وخارج اختصاصها، ولا توجد إشارة واحدة دالة على أن قراراً معاكساً بفك الخنق سيصدر بعد انتهاء عملها وبناء على توصياتها، وبالتالي فاللجنة في هذا السياق كطبيب مطلوب منه معالجة مخنوق دون امتلاكه قرار وأدوات فك الخنق.
أكرر للمرة الألف ما يلي دون لف أو دوران:
تنفيذ ما ورد في بيان السيد الرئيس الصادر في أغسطس الماضي، حول (التزام الدولة الراسخ بإعلاء حرية التعبير، واحتضان كافة الآراء الوطنية ضمن المنظومة الإعلامية المصرية، بما يعزز من التعددية والانفتاح الفكري). كان يتطلب اتخاذ الإجراءات التالية قبل تشكيل اللجنة:
1- إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي من الصحفيين وغير الصحفيين، النقابيين وغير النقابيين، وإسقاط أي تهمٍ ضيقةٍ أو فضفاضةٍ وُضعت على خلفية الضيق بالنقد والاختلاف في الرأي.
2- إزاحة مجموعة “حانوتية الصحافة” عن صدارة المشهد، ممن مارسوا العَكَّ المهني على مدار السنوات الماضية. فقد أخذوا فرصتهم كاملةً في إدارة الملف، وكانت نتائج أعمالهم كارثيةً على كل الصعد المهنية. وكان من بينهم من قدَّم زملاءه كقرابين وذبائح للسلطة بدمٍ بارد، ويكفيهم ما أقدموا عليه من أفعالٍ لم يأتِ بها أحدٌ من قبل، وهي إغلاقُ إصداراتٍ بكاملها ومحوها من الوجود.
3- رفع الأسوار المضروبة حول الكفاءات المركونة على الرف قسراً، وهم بالمئات، استُلِبت حقوقهم في التعبير عن الرأي داخل صحفهم استلاباً، ومعظمهم توارى للظل حفظاً للبقية الباقية من كرامته الإنسانية والمهنية.
4- إلغاء منظومة “السامسونج” المسؤولة عن إدارة الإعلام حالياً، والعودة بالأمور إلى دولاب العمل المهني الاحترافي الطبيعي.
هذه هي إجراءات فك الخنق، التي تمنح اللجنة المبدأ العام أو مفتاح الدخول السليم السلس إلى غرفة المريض بعد فك الخنق عنه، وبات جاهزاً لاستقبال علاجات على المستوى التفصيلي الإجرائي، يمكن أن يسهم فيها أعضاء اللجنة على اختلاف تخصصاتهم وخلفياتهم فتؤتي أكلها.
أما تشكيل اللجنة بالطريقة التي حدثت، وفي المناخ الذي لم يتغير، ودون فك الخنق، هو التفاف صريح على ما ورد بالالتزامات الواردة في بيان رئاسة الجمهورية بشأن الأزمة، ونهج في التعامل مع القضية بطريقة تحرص على استحضار الجثة وتغييب الروح، لكونه ينصرف إلى أمور إدارية ومالية وتقنية ومهارية، ويتجاهل قضية الحرية، التي يعلم كل من عمل بالصحافة ولو ليوم واحد، أنها روح الصحافة والنفس الذي يتردد في صدرها ويمنحها الحياة، الحرية بمعناها الواسع من الشفافية واحترام الاختلاف والتنوع في الرأي، والانسياب السلس للمعلومات، والقدرة على تحقيق المعادلة الذهبية القائمة على جعل حق القارئ أو الجمهور في أن يعرف، مقدماً على حق المصدر في أن يقول أو لا يقول.
بوضوح:
تشكيل اللجنة والدفع بها للعمل قبل صدور قرار فك الخنق وجعل الإعلام يتنفس بصورته الطبيعية، هو حرق للمراحل وتخطي للخطوات المنطقية لحل الأزمة.
حشد خبراء في الذكاء الاصطناعي وخبراء في الإعلام الرقمي داخل اللجنة بينما السياق مخنوق، هو ضرب من العبث ومحاولة لإضفاء نوع من البريق الوهمي على جثة تتحلل.
الخوض في تفاصيل في هذا الاتجاه أو ذاك قبل خروج كل معتقلي الرأي من السجون لغو لا فائدة من ورائه.
الحديث عن التحديث الإداري والمالي والتقني بينما الإعلام شبه جثة وصوته أشبه بحشرجة ما قبل الموت، ومشهده العام يحتله حانوتية الصحافة صناع القسم الأخير والأحدث من الأزمة، هو جري في المكان يستهلك الطاقة دون خطوة واحدة للأمام.
الحديث عن الارتقاء بالمهنية وما يقرب من 90% من كفاءات المهنة خاصة من أجيالها الشابة على الأرفف هو الانتحار المهني بعينه.
الحديث عن جذب القارئ وتحديث المحتوى القومي بينما منظومة السامسونج تحكم دولاب العمل هو ضرب من الانحراف الفج عن الطريق القويم للحل.
البحث في حالة الإعلام، سواء كانت ورقية أم رقمية أم حجرية، هو لف ودوران عبثي حول لب القضية وقوامها الرئيس وقوتها الناظمة وهو الحرية التي تجسدت في ثلاثة نقاط شملها بيان صادر عن السيد الرئيس.
تشكيل اللجنة والدفع بها دون حل معضلة الحرية حلاً ناجزاً حاسماً هو قفزة هائلة نحو إعادة تأكيد للحقيقة الناصعة التي تقول إن “ماء الحرية العذب لا يخرج من نبع الديكتاتورية المالح”.
أخيراً:
أرجو أن تضع اللجنة الموقرة نصب أعينها الآية الكريمة الآتية وهي الآية رقم 188 من سورة آل عمران، ويقول فيها المولى عز وجل:
{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
في نسخة مصحف المدينة المنورة “الإلكتروني” “الرقمي”، المنشور على “الحاسبات المكتبية واللاب توب”، وعلى “تطبيق المحمول”، والذي يمكن الوصول إليه من “السوشيال ميديا”، ويمكن التدرب عليه “أون لاين” مع صوت العظيمين الراحلين الحصري وعبد الباسط، ويمكن الاستعانة فيه ببعض “أدوات الذكاء الاصطناعي”، جاء تفسير الآية كالتالي:
ولا تظنن الذين يفرحون بما أَتَوا من أفعال قبيحة كاليهود والمنافقين وغيرهم، ويحبون أن يثني عليهم الناس بما لم يفعلوا، فلا تظنهم ناجين من عذاب الله في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب موجع. وفي الآية وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به، ولكل مفتخر بما لم يعمل؛ ليُثنيَ عليه الناس ويحمدوه.