حسام السيسي يكتب :وقف إطلاق النار: فرحٌ على أنقاض الصوت

غزة لم تخرج من الحرب، بل خرجت الحرب من اللغة حين لم يعد فيها ما يُقال.
مدينةٌ صغيرة، محاصرة بالبحر والسماء، واجهت وحدها حربًا عالمية بحجم الكرة الأرضية.
تساقطت فيها البيوت كأنها أنفاسٌ متقطعة، واحترق فيها الخبز والماء والنوم، لكن شيئًا واحدًا لم يُقصف: الإرادة.
من رحم الركام خرجت الإرادة تمشي على قدمٍ مبتورة، تلوّح بيدٍ فقدت أصابعها، وتبتسم في وجه العالم الذي تواطأ بالصمت.
لقد دُمّرت غزة لتُحيا، وسقطت البنايات لتقوم الفكرة: أن الضعيف حين يمتلك الإصرار يصير قوة أخلاقية تخلخل جيوش الحديد والإعلام والمجازر.
اليوم، يُقال “وقف إطلاق النار”، كأنّ الكلمات قادرة على ترميم الأرواح.
لكن في غزة، الهدنة ليست استراحة، بل استعادةٌ للأنفاس قبل جولة جديدة من الصمود.
الفرح هنا لا يشبه أفراح المنتصرين، بل هو الفرح المرّ، النبيل، الذي يولد من رحم الكارثة، كزهرةٍ تخرج من الإسفلت.
يحق لغزة أن تفرح، لا لأنها انتصرت عسكريًا، بل لأنها جرّدت إسرائيل من قدسيتها المزيفة.
أسقطت عنها قناع “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، وعرّت وجهها الحقيقي أمام العالم، وجه القاتل الذي يبرر القتل باسم البقاء.
من بين الدمار، تشكّلت لحظة الوعي: أن القوة لا تُقاس بما تملكه من سلاح، بل بما تملكه من معنى.
وقف إطلاق النار ليس نهاية حرب، بل بداية رواية جديدة في تاريخ الوعي الإنساني.
رواية تكتبها غزة بدمها، وتوقّعها على الإسفلت، وتتركها للعالم كمرآةٍ قاسيةٍ يسائل فيها نفسه:
من الذي انتصر حقًا؟
الذين امتلكوا السماء كلها… أم الذين صنعوا من رمادهم وطنًا جديدًا؟