رؤي ومقالات

محمد يونس يكتب :الدرس الثالث

حرب 6 أكتوبر أو العاشر من رمضان أو كيبور هي الوحيدة التي يحتفل بالنصر المشاركون الثلاثة فيها ( مصر و سوريا وإسرائيل ) .. فكل .. منهم يحكي عن تفوقة و كسره لإرادة العدو .
مصر تتحدث .. عن العبور للمانع المائي و التغلب علي تحصينات خط بارليف ( الرهيبة ) التي لم يوجد مثلها علي مر التاريخ ..و أن قواتها المسلحة .. إبتكرت .. اساليب إتلاف انابيب النابلم التي كانت ستشعل المياه أمام العابرين .. و رشاشات مياة هدم الساتر الترابي الذى يرتفع لعدة أمتار .. و التغلب علي الدشم القوية التي تحميه ..و شق الطريق بين الألغام و العوائق.. لتحرير عمق 15 كيلومتر بطول الجبهه ..و صد الهجمات المضادة لقوات العدو المدرعة ..ثم تعيد و تزيد في روعة الصف ضباط والجنود الذين دمروا الدبابات بأدوات شخصية تحمل علي الكتف .
إسرائيل لا تتوقف عن الأشادة بقواتها التي صنعت كمائن للمدرعات المصرية عندما حاولت تطوير الهجوم ..و كيف عطل جنودها مئات الدبابات .. و الطائرات الهليكوبتر التي نقلت المظليون و الصاعقة للممرات .
ثم تحكي عن قدرة قادتها علي ضبط النفس بعد أن فوجئوا بتغير قدرات المصريين و السوريين علي القتال و كيف إستردوا روعهم و خاضوا معارك شرسة .. إنتهت بإعادة إحتلال الجولان وعبور قوات شارون للضفة الغربية بعد إنشاء كوبري قرب الدفرسوار إستخدمته اربعة أو خمسة لواءات .. لتحاصر الجيش الثالث ..و تمنع الإمدادات عنه .. و تفصل السويس عن الإسماعيلية و تصل بمدرعاتها و مدافعها لمشارف مصر الجديدة و مدينة نصر .
.
ثم تنشر صورا كيدية لجولدا مائير في الجبهه تبتسم و تحي رجالها البواسل
.
الأمريكان ايضا يبدون سعادتهم.. لقد إستطاع دبلوماسييهم ..و قف القتال و الوضع ليس في صالح مصر..مما أتاح عقد معاهدة صلح بين الطرفين المتصارعين .. و يضحكون يسخرية.. فلقد خرجت مصر من المعادلة لنصف قرن تال و أخلت بتوازن القوى في المنطقة لصالح ربيبتها .. و سمحت للأردن أن تلحق بها .. و لسوريا أن تستسلم لقوات الإسلامجية المدسوسين بواسطة المخابرات و بكسر شوكة حزب الله ..و المقاومة في غزة
.
عندما عبر الجنود و هم صائمون قناة السويس الساعة الثانية من ظهر 6 أكتوبر .. كان المصريون تراودهم أربعة أحلام متعارضة ..و لكنها .. متفقه علي ضرورة إتمام العبور بنجاح .
الحلم الأول للضباط و الجنود الذين يبحرون بالقوارب .. و يزيلون السد الترابي .. فقد كان يغلب عليهم الرغبة في الثأر و إثبات الذات .. و البرهنة علي أنهم لا يقلون في المهارة عن الأخرين .. لذلك يشهد لهم جنود العدو قبل قادته .. بانهم خاضوا معركة فدائية شرسة مفاجئة .. أربكت حسابات المخطط الإسرائيلي .
الحلم الثاني كان للقيادة التي لديها أوامر بحرب محدودة .. تستولي فيها علي أى مساحة من الأرض المطيعون منهم تصوروها عدة كيلومترات .. و المحترفون إمتددت طموحاتهم للوصول إلي المضايق .. ثم الثبات في مواجهة العدو .. بمعني أن في الحالتين خططوا لخوض حرب تحريك محدودة لا تحرير شاملة.
الحلم الثالث .. كان للمصريين (الشعب ) الجالس أمام التلفزيون ..و بجوارة الراديو يتابع تقدم القوات..
المتفائل منهم كان يتعجل تحرير كامل الأرض السليبة و تهديد قوات العدو وضرب مدنه ..و المتحفظ يرى أن الوصول للمضايق . سيجعل القوات في أمان ..و قدرة علي تطوير المعركة .
الخلم الرابع كان يحمله رئيس الجمهورية منفردا الذى لم يلتفت إلية سكان العالم ويأخذونة بجدية بعد وفاة عبد الناصر.. فقرر عمل زمبليطة في الصالون حتي يستطيع أن يجلس مع كيسينجر يثبت له مدى ولائه لامريكا .. و نيته بعدم الإضرار بإسرائيل أو تطوير الهجوم .
بعد الأيام الاولي .. كان الجنود في حالة نشوة لقد كانوا رجالا ..و علموا العدو درسا لا ينسي .. و القادة يعتبرون أنهم قد حققوا الهدف بإمتياز..و الشعب محبط وخائف من تكرار تجربة 67.. لماذا توقف الهجوم فيصلهم حديث غامض أنه من الصعب نقل الصواريخ المضادة للطيران ..و أن أى تقدم في غيابها معناه تعرض القوات للقصف المعادى .. و أنهم في سبيلهم .. لحل المشاكل الفنية ..و إن شاء الله سيكملون المسيرة .
أما الرئيس فلقد .. كان الشخص السعيد الذى نفذت القوات خططه بنجاح بحيث لفت نظر كيسنجر و حدثه ..فراح يوزع المكافئات و النياشين علي القادة ..و يحكي عن عبقريته في إدارة المعركة .
ما حدث بعد ذلك قلب كل الموازيين و أسكت الأغاني و الأفراح ..فأثناء توزيع المكافئات في مجلس الشعب كان شارون يعبر بقوات محدودة لتدمير حائط الصواريخ .. فلا يجد مقاومة ..
فيتشجع و يقيم جسرا و لا يجد رد فعل .. فيعبر بقواته للضفة الغربية و يفاجيء قوات النسق الثاني المصرى بالهجوم من الخلف .. لتحدث الفركيشة .. و تدمر وحدات قتالية بالكامل .. و تستسلم أخرى .. و يعود شبح 67 ..
الجيش بدون راس .. توجهه .. و الخسائر تتزايد بصورة جنونية .. و القوات الإسرائيلية تتقدم .. حتي مشارف العاصمة ..و الإعلام المصرى كعادته ينكر ما حدث و يقلل من خطورته.و ينقل عن الريس أنها تمثيلية تلفزيونية لرفع روح المهزومين المعنوية .
لم تكن تمثيلية .. أنتم لا تعرفون هذا ..و لكنني نافشت من حضروا الواقعة .. الذين حوصروا أو تم مهاجمة وحداتهم من الخلف .. أو جرى أسرهم من مراكز قيادة اسلحتهم علي طريق السويس ..
و إستمعت .. للحقائق عن عجز توصيل الطغام و الماء للجيش الثالث ..و أحزان الجمسي و بكاؤة في الكيلو101 .. و ثورة الشاذلي و بعض القيادات الواعية علي القرارات العشوائية للقيادة السياسية
ثم تتغير اللهجة .المتفاخرة إذ يطلب المصريون وقف إطلاق النار .. و تدور مباحثات فاشلة مع العدو.. مرة و إثنين و ثلاثة .
و عندما تشعر أمريكا أنها في موقف تفاوض قوى ..يوشوش كيسينجر ..جولدامائير قائلا.. مش عايزين نخسر السادات .. و نطلعة ضعيف أمام قادة الجيش .. خفي يا هانم .. و تخف الهانم … ثم تضحك سعيدة ..و هي تستقبله في مطار القدس مستسلما .
ما حدث في 6 أكتوبر بعد العبور .. يوضح أن إدارة المعركة .. فن لم يتقنه المتحكمون في القرار ..و أنه جرى تعويض هذا بالدعاية ..و الصياح ..و إرهاب من لا يسبح بحمد السادات و قدراته التفاوضية ..و مكرة الذى أعطي للعدو و رقة و أخذ بدلا منها الارض المحبوسة .
..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى