فيس وتويتر

حسام السيسي يكتب :المشهد في غزة: هيمنة جديدة لحماس وسؤال إسرائيلي عن “النصر

بعد حرب طويلة… عودة غير متوقعة
بعد أشهر من حربٍ لم تُبقِ حجراً على حجر، تتكشّف في غزة ملامح واقعٍ لم يكن في حسبان من شنّها.
إسرائيل التي وعدت بـ”تحطيم حماس” تواجه اليوم عودة الحركة إلى الواجهة بقوة غير متوقعة، حيث تشير صحيفة “معاريف” العبرية في تقرير – بقلم بني كاسبيت – إلى أن حماس تسيطر الآن على نحو 85% من المناطق المأهولة في القطاع.
في التفاصيل، انتشر آلاف المسلحين في الشوارع، تُنفّذ إعدامات علنية بتهمة التعاون مع إسرائيل، وتُعاد تشغيل معدات هندسية، بينما استولت الحركة على شاحنات مساعدات وأسلحة، بعضها زُوّد لفصائل كان يُفترض أن تواجهها.
لم يعد السجال في إسرائيل حول إنكار هذا الواقع، بل حول كيفية تقبّله.
في الإعلام والجيش والكنيست، ارتفعت تساؤلات صريحة عن “الفشل” في تحقيق النصر الموعود، وعن غياب خطة “اليوم التالي”، وعن التناقض الصارخ: كيف تُبنى “غزة الجديدة” بينما حماس أقوى من قبل؟
حتى داخل الحكومة، بات ذكر “السلطة الفلسطينية” محرّمًا سياسيًا.
في المقابل، يتداول اليمين الإسرائيلي أوهام “ريفيرا غزة” وعودة مستوطنات “غوش قطيف”، بينما الواقع على الأرض يقول إن الحركة التي أُريدَ لها أن تُمحى… تعود لتُحكم.
تقول معاريف بوضوح:
“أي بديل لحماس غير واقعي… سيطرتها لم تتغير لا أثناء الغارات ولا بعدها.”
الحركة لم تنجُ عسكريًا فحسب، بل احتفظت بالحكم فعليًا، وأعادت تموضعها كمصدر سلطة وأمن في حياة الناس اليومية.
كيف حدث ذلك؟
الإجابة تتوزع بين ثلاثة عوامل رئيسية:
1. فراغ سياسي وأمني كامل:
إسرائيل دمّرت البنية المدنية ولم تُنشئ بديلًا، ورفضت الاحتلال المباشر.
وفي الحروب، الفراغ يُملأ بمن يملك الأرض لا بمن يقصفها من بعيد.
2. هيمنة مدنية متواصلة:
حماس أعادت تشغيل قنوات المساعدات والخدمات، واستعادت السيطرة الإدارية، ما أكسبها شرعية محلية يصعب نزعها.
3. تحوّل استراتيجي في الهوية:
الحركة لم تعد مجرد مقاومة مسلحة، بل سلطة تحكم وتنظّم وتقدّم نفسها كبديل واقعي عن الفوضى.
معضلة إسرائيل: فخ الاحتلال ووهم الخلاص
يحذّر قادة الجيش الإسرائيلي من أن إعادة احتلال غزة بالكامل ستكون فخًا استراتيجيًا، يستنزف إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
أما الخطة البديلة — “احتلال مؤقت ثم تسليم الإدارة لتحالف دولي أو عربي” — فتبقى حبراً على ورق، لأن لا أحد يريد أن يرث رماد الحرب.
وهكذا تبقى تل أبيب بين خيارين أحلاهما مرّ:
إما استمرار حرب بلا نهاية، أو الاعتراف بأن “النصر” لم يتحقق.
في النهاية السياسة لا تُحسم بالدبابات
ما يجري في غزة ليس مجرد استعادة قوة، بل استعادة سردية.
فحين تُدمَّر البنى دون بديل سياسي، ينهض من يعرف الأرض ليملأ الفراغ.
لقد خلقت إسرائيل فراغًا، فملأته حماس.
ومن لا يملك خطة للسلام، لا يملك حق ادعاء النصر.
من تحت الركام، تعود غزة لتتنفس.
ومن بين الرماد، تنهض الحركة التي أرادوا محوها لتقول بلغة الوقائع:
ربما خسرنا البنايات، لكننا لم نخسر القدرة على البقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى