إبراهيم نوار يكتب :تجربة نزع سلاح الجيش الجمهوري الأيرلندي وترتيبات نزع سلاح حماس

جرى نزع سلاح الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA) كجزء من عملية السلام في أيرلندا الشمالية، التي كانت خطوة رئيسية لإنهاء عقود من الصراع العنيف بين القوات البريطانية والجيش الجمهوري الأيرلندى في أيرلندا الشمالية منذ أواخر الستينيات حتى 1998. وقد تمت عملية نزع السلاح في إطار روح للمصالحة التاريخية بين بريطانيا وخصومها الكاثوليك المسلحين تحت راية الجيش الجمهوري (آي آر أيه). من دون وجود تلك الروح لم يكن من الممكن التوصل إلى اتفاق. وفي إطار هذه الروح تمت خطة نزع السلاح، على أساس عدد من المبادئ الناظمة التي التزم بها الطرفان، الجيش الجمهوري وحكومة صاحبة الجلالة في لندن. المبدأ الأول يتمثل في وجود اتفاق سياسي ساعد على التوصل اليه وصياغته السيناتور جورج ميتشل هو ما يعرف باسم «اتفاقية الجمعة العظيمة – 1998». هذه الاتفاقية كانت حجر الأساس في إنهاء الحرب وإقامة السلام. وقد ألزمت الاتفاقية جميع الأطراف، بما في ذلك الجماعات شبه العسكرية مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي، باتباع الوسائل الديمقراطية والسلمية لحل النزاعات. وكان النص على الحق في المشاركة السياسية بمثابة «الجزرة» التي حصل عليها الجيش الجمهوري للموافقة على إلقاء السلاح وتسليمه وعدم العودة إلى استخدامه أو حتى مجرد التهديد بذلك. وبمقتضى الموافقة على نزع السلاح حصل تنظيم «شين فين» وهو الجناح السياسي للجيش الجمهوري الأيرلندي على حق خوض الانتخابات والمشاركة الكاملة، طبقا للنتائج، في كل المؤسسات السياسية في أيرلندا الشمالية. كما نص الاتفاق على نبذ استخدام القوة، أو التهديد باستخدامها للتأثير على النتائج السياسية. أما بالنسبة لعملية نزع السلاح نفسها، فقد تم تشكيل مجلس دولي مستقل (IICD) للإشراف عليها والتحقق من سلامة الإجراءات والمصداقية. ولم تتم عملية نزع سلاح الجيش الجمهوري الأيرلندي بين يوم وليلة، وإنما استغرقت عدة سنوات من 2001 إلى 2005، حتى أعلن المجلس الدولي المستقل لنزع السلاح أن الجيش الجمهوري الأيرلندي، تخلى عن جميع أسلحته بالكامل – بنادق ومتفجرات وذخيرة – بحضور رجال دين مستقلين ومراقبين دوليين. ولا يزال مبدأ نزع السلاح ساريا، ويمثل ركنا من أركان عملية السلام والحياة السياسية في أيرلندا الشمالية حتى اليوم.
وتقدم التجربة الأيرلندية دروسا مهمة يمكن أن تساعد على وضع إطار تنفيذي لنزع سلاح حماس. ويجب الاعتراف أولا بأن حماس حملت السلاح دفاعا عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، طريقا إلى التحرر الوطني ضد المحتل، ولم تحمله بوصفها عصابة إجرامية، أو ميليشيا متمردة. ومن ثم فإنها عندما تلقي السلاح فإن ذلك يجب أن يكون جزءا عضويا من خطة سياسية للوصول إلى تحقيق الحقوق السياسية الأساسية للشعب الفلسطيني، وليس مجرد وسيلة للتهدئة وحماية مصالح طرف (الاحتلال) على حساب الطرف الآخر/ المُعَرّض للإبادة، بل يجب الالتزام بمبدأ عدم استخدام السلاح على الطرفين. ومن الضروري تحديد نوعية الأسلحة والذخائر المشمولة بالتسليم، حتى تكون للعملية مصداقية كاملة، لأن من يملك سلاحا للدفاع الشخصي، سواء كان من المنتسبين إلى حماس، أو غيرها أو من المدنيين، لن يتطوع أبدا بتسليم سلاحه الشخصي، وسط ظروف تهدئة مؤقتة قد تستأنف بعدها الحرب. هذا يعني أن نزع سلاح حماس يمكن أن يطبق فقط في المرحلة الحالية على الأسلحة الهجومية، التي قد تعتبرها إسرائيل تهديدا لها، مثل الصواريخ ومنصات إطلاقها والمدافع وطائرات الدرونز الهجومية والقنابل والمتفجرات. ويجب أن تضمن الشروط المسبقة لنزع سلاح حماس وقطاع غزة تشكيل لجنة دولية تكون مهمتها التحقق من نزع السلاح وتدقيقه، على غرار ما تم في اتفاقية نزع سلاح الجيش الجمهوري الأيرلندي. ومن الضروري التسليم بأن تنفيذ هذه العملية قد يستغرق فترة من الوقت ربما تصل إلى عدة سنوات.
فوق كل ذلك يجدر التأكيد على عدم معقولية نزع سلاح حماس، وأيضا حرمانها من المشاركة في العمل السياسي، لن تتعاون حماس مع أي جهة تلزمها بالتنازل عن السلاح والتنازل عن ممارسة السياسة في وقت واحد. وأظن أن حماس ستتعاون مع أجهزة الإدارة ونزع السلاح، في حال وجود ضمانات لها بالمشاركة في الانتخابات اللاحقة والمشاركة في الحياة الطبيعية بكل جوانبها وبلا قيود. الدور الذي تقوم به الآن حماس في إدارة الحياة اليومية وضبط الأمن العام والحيلولة دون انفجار حالة من الفوضى في قطاع غزة، سوف يستمر بقوة الأمر الواقع حتى قيام مؤسسات الإدارة والأمن وتحقيق الاستقرار التي نصت عليها خطة ترامب.







