كتاب وشعراء

نحن والحرب وقفه في خراب الإنسان…بقلم حسين عبدالله جمعة

في الحَربِ، أشياءٌ كثيرة نخسرها، أشياءٌ لا علاقة لها بالحوائط والبيوت والبنايات والسيارات، أشياءٌ غير محصول التبغ والزيتون والرمان…

في الحرب!!!

تخسرُ أشياءً لا تُرى في العين المجردة… أشياءً في القلب والروح…

والذي خسر ويخسر، لا ينتظر التعويض، لأنه مهما عُوِّض عليه، لن تعيد له ما فقده بعد أن يخسر الأمن والأمان والأمل وكل شيء جميل في داخله…

الحرب ليست معركة سلاح… الحرب معركة صمود الروح. ومن يُهزم من الداخل، يُهزم قبل أن يرفع الراية.

في الحرب تظهر النفوس والناس على حقيقتها، واضحة وضوح الشمس، تطفو على السطح الأنانية وحب الذات وحتى الكسب ولو على جراح وآلام الآخرين، حيث استغلال الهاربين من شبح الموت، وتأجيرهم شقة بمبالغ هائله دون مراعاة لحال الانكسار والخوف والرعب والتشرد والإذلال…

في الحرب تفقد الأمن والأمان ودفء وسادتك، وتبحث عن هذه الثقة في بيوت الجيران، يخيل إليك أن الطمأنينة في بيوت الآخرين، في مناطق وطوائف أخرى… كما حصل أثناء الهزة الأرضية في ٦ شباط 2023؛ أعلم أشخاصًا بقوا ينامون في سياراتهم أكثر من عشرة أيام، بعد أن تركوا بيوتهم وقصورهم، إثر هزة استمرت فقط أربعين ثانية… أربعون ثانية تُفقدك الثقة والأمان في بيتك،فأين ستجد الطمأنينة إذا كانت حربا طويله دون إستعداد لها؟

في الحرب يكثر المحللون والمنظرون وبائعو الكلام، يطلون من بروجهم العاجية وبلادهم الآمنة والمزدهرة عبر الفضائيات ومن خلال مواقع التواصل الإجتماعي، يتحدثون عن الحرب والمقاومة والصمود، يحثونك على الصمود دون ملجأ، وبدون حتى كيس رمل، ودون قوت يومك وأموالك المحبوسة والمسروقة في بنوك الظالمين…

كيف تحارب بينما الشعوب مهزومة فكريًا قبل أن تهزم عسكريًا؟

تصمد وتقاتل دون توازن في القوى، خاصة في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث يُلاحق كل شخص من خلال رسم الوجه وبصمة الصوت، من خلال رقم هاتفه، ورقم سيارته، ولكل حادث سلاح خاص…وأنت تهيم على وجهك باحثًا عن سقف يأويك…

أيها السادة… كل شيء قد تغيّر، الحرب تغيّرت، التكنولوجيا استفحلت، وصار هناك ما يسمى بالذكاء الاصطناعي، كل شيء تغيّر إلا أنتم… فما زلتم كما كنتم، تنظرون وتصدرون جبهات للصمود والتصدي في أزقة المجاعة والبرد والتيه… كل شيء تغيّر إلا نحن… فنحن ما زلنا طيبين ومساكين… عذرًا لم يكن لدينا الوقت الكافي للاستعداد والتغيير…

هل تعلم أن كل دولة من دولنا لا تملك من مخزون الطحين لأكثر من شهرين؟ هذا إذا لم نتحدث عن حليب الأطفال والأدوية والمستلزمات الطبية…

وحتى الآن هذه الدول،لم تُستعد لا أمنيًا ولا عسكريًا أو حتى إقتصاديا، لا في العدة ولا في العتاد ويأخذون شعوبهم من مهزلة الى مهزله ومن إنكسار إلى آخر، واسلحتهم مقارنه مع العدو صارت خردة أمام كل هذه التكنولوجيا…

في الحرب ستخسر روحك وذاتك، تصير إنسانًا آخر لا يشبهك، بعدما تشاهد على مدار الساعة تساقط العمارات الكبيرة، التي لا يقل عدد شققها عن أربعين شقه، تتهاوى مثل الفراشات والبسكويت ويتهاوى معها أحلام وذكريات، بينما صواريخنا نصلي لها، ونحملها أمانينا وأجمل التحايا والرجاء حتى تصل إلى مقصدها،هذا إن حالفها الحظ …

إذا لم نُحصّن الإنسان، فلن تنفعه القلاع فالخراب يبدأ حين تسقط النفس قبل أن تسقط الجدران.

الحرب حقيرة، أيها السادة، وظالمة، تضرب عرض الحائط كل النبل والأخلاقيات…

في الحرب تتحطم الأحلام والطموحات، نفقد أعزاء وجيران، ينتشر الصمت واللون الرمادي، ورائحة الخوف والقلق والموت…

في هذه الحروب المتلاحقة والمتتالية عبر عمرنا البائس، جيلاً بعد جيل، وهجرة تلو هجرة، وموت يلاحقه موت… نمسي دفاتر للذكريات نقلب بعضنا بعضًا ونصبح قصص الأمس الحزين، نبحث عن ذواتنا فلا نجد إلا شبح الجحيم…!

حتى مجتمعاتنا تتبدل وتتغير، وتصبح لا تشبه نفسها جراء حجم الرعب المتراكم داخلها… هذا ما سيظهر في قادم الأيام، وتصرفات الأجيال الصاعدة… اسألوا الخبراء وأطباء علم النفس والمتخصصين في التغير الاجتماعي بعد كل حرب وحدث…

فهنيئًا لمن سيخرج من هذه الأيام سليماً ومعافى…

الإنسان المقهور…

هو من ينهض رغم الخراب، يبتسم رغم الجراح، يصرخ بصمت داخلي، يحتفظ بوجوده في قلب الظلام…

هو من يرفض أن يصبح مجرد رقم في إحصاءات الضحايا، رغم كل الخسارات، رغم كل الخراب…

هو الإنسان الذي يعرف أن الحرب ليست مجرد دمار خارجي، بل دمار داخلي، ضعف في الاستعداد، وانكسار الروح أمام مجموعات أكبر منه اقتصاديًا وعسكريًا…

وجع مكبوت بلا صراخ…

ورغم ذلك، يبقى حيًّا، يحمل في داخله قوة صامتة، كالغيم الذي يهمس قبل أن تمطر، كالشمس التي تشرق في قلب الخراب…

الوطن لا يسقط حين تُقصف حدوده، بل حين تهتز روحه… والروح اليوم هي ساحة المعركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى