كتاب وشعراء

أطياف الحلم الشقي…بقلم هدي حجاجي

كل الزوايا مأهولة بالظنون القديمة،

أنه حلم شقي… كمعطف جدي الثالث، المعلق في خزانة زمن لا يعود.

أجلس على حافة كرسي قديم، وأسمع صمتًا يئن بين الجدران،

صمتٌ ليس فارغًا، بل ممتلئًا بالهمسات الضائعة، والابتسامات المنسية،

والحزن الذي لم يجد من يستمع إليه بعد.

أحيانًا أشعر أنني أتكلم مع فراغ يعرفني أفضل مني،

وأن صدى صوتي يكتب على الحيطان حكايات لم أرها بعد.

الزوايا هنا ليست مجرد أماكن،

بل حكايات تتنفس، أرواح تهمس باسم من ترك أثره في الغبار،

ومع كل انعطافة، أشعر أن الماضي يمد يده ليشدني،

ليذكرني بكل وجعٍ مرّ، بكل فرحٍ ذاب قبل أن يدركه الزمن.

أرى صورًا عائمة بين الماضي والحاضر،

وجوه لم أعد أعرفها، لحظات لم أعد أستطيع الإمساك بها،

لكنها تعود إليّ، كأنها تقول: “ها نحن هنا، نتذكرك كما تتذكرنا،

نحن ما لم تتح له الكلمات أن يعيش فيك، فحفظناه في الظلال.”

أحيانًا أضحك وحدي على غرابة المكان،

وأحيانًا أبكي على فقدٍ لم أعهده يومًا،

على أشياء لم أعرف أنني فقدتها، وعلى وجوهٍ لم أعرف أنني اشتقت إليها.

كل زاوية هنا تهمس باسمي، وكل ضوء ضعيف يبدو كرسالة مخفية من عالمٍ آخر،

عالمٌ لا يُسمح لي فيه بالنوم مطمئنًا، ولا بالاستيقاظ مطمئنًا أيضًا.

ومع كل هذا، يصر حلمي الشقي على العودة،

يمر من خلالي كنسمة باردة تحمل رسائل لا أفهمها إلا حين أكون مستعدة لسماعها.

ويذكرني أنني، مهما ابتعدت، لن أترك الزوايا القديمة، ولن تتركني هي أيضًا.

أني جزء من حلمها، وهي جزء من جنوني،

وأن معاطف الأجداد، مهما طال زمنها، ستظل تهمس باسم من ترك وراءه الكثير من الغبار، والقليل من الحب.

وفي الليل، حين تنطفئ الشموع، ويغرق المكان في سوادٍ ثقيل،

أسمع الموسيقى القديمة، كما لو أن الزمن نفسه يعزف لحنًا نسيته الروح،

أرقص وحدي، بين الظلال، بين الحنين والألم،

أتنفس كل لحظة وكأنها آخر لحظة، وأعلم أنني رغم كل شيء،

أعيش في هذا الحلم، أجد فيه بعضًا من نفسي، وأترك فيه بعضًا من قلبي،

حتى يأتي صباح آخر، يحمل معه شعاعًا ضعيفًا من الحقيقة،

ويذكرني أن حتى الظلال، مهما كثرت، لا تستطيع أن تمحو النور الذي يولد من الداخل..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى