كتاب وشعراء

موسم تساقط الأوراق……بقلم نوميديا جروفي

كَأَنَّ خَرِيفَ هَذَا العَامِ يَمُدُّ ظِلَّهُ عَلَى كُلِّ مَا نَحِبُّ،يمشي ببطءٍ بخُطى مُتعَبة كعجوزٍ يعرف أنّ رحلته شارفت على النهاية، فيوزّع أنينَه على الطرقات وعلى عيون المارّة وعلى القلوب التي لم تتعلّم بعد كيف تُمسِك بما يرحل.
كأنّهُ خريفٌ أعمق من كلّ خريفٍ مضى، لا يكتفي بإسقاط الأوراق عن الأشجار بل يُجرّد الروح من أسمائها القديمة، من وجوهٍ كانت ملاذًا، ومن ضحكاتٍ كنّا نظنّ أنّها لا تذبل.
في هذا العام، لا يسقط الورق وحده، الأشخاص أيضًا يتساقطون،يختفون فجأة كأوراقٍ صفراء كانت تُزيّن فروع حياتنا ثمّ يختطفها ريحٌ واحد فلا تعود.
أحيانًا يسقطون لأنّ الرحلة أثقل من طاقتهم وأحيانًا لأنّنا نحن لم ننتبه لهم حين كانوا يتشبّثون بنا مثل أغصانٍ نحيلة.
وكم مِن شخصٍ ظننّاه ثابتًا، قويًا لا يمكن أن يترنّح، لكنّ الخريف علّمنا أن الثبات وهمٌ وأنّ الرياح تعرف طريقها إلى أضعف نقطة في القلب.
يجيء هذا الفصل حاملًا فلسفة الغياب..
أنّ كلّ شيءٍ مُعرّض للسقوط وأنّ الدروب الطويلة لا تحفظ الخطى وأنّ العلاقات مهما بدت قوية قد تنكسر بصمتٍ كأغصانٍ يابسة.
ومع ذلك، ليس الخريف مُجرّد موسم أفول بل موسم وضوح.
فعندما تتساقط الأوراق نرى جذوع الأشجار كما هي، عارية بلا تجميل،وكذلك البشر عندما يسقطون من حياتك تتجلّى أمامك حقيقتهم.
مَن كان ظلًّا عابرًا، ومَن كان وطنًا،مَن كان ورقةً تتلوّن مع كل ريح،ومَن كان جذعًا يسند قلبك ولو اهتزّ العالم.
في خريف هذا العام، أدركتُ أنّ السقوط ليس نهاية بل إشعارٌ بالتغيير وأنّ الأوراق التي تتساقط لا تموت عبثًا، هي تعود إلى التراب لتصنع خصوبةً جديدة، لتمنح الشجرة فرصة ولادة أخرى.
وكذلك الأشخاص الذين رحلوا.
قد يتركون فراغًا، نعم، لكنهم يتركون أيضًا مساحة لنضجٍ ما، لدرسٍ ما، لقوةٍ لم نكن لنكتسبها لولاهم.
فيا خريف هذا العام إن كنتَ ستأخذ منّا أشخاصًا فامنحنا في المقابل حكمة البقاء.
إن كنتَ ستحمل عنّا أوراقًا صفراء، فأعِد إلينا جذورًا أقوى.
دعنا نتعلّم أنّ السقوط ليس شيئًا نخافه، بل شيئًا نفهمه:
فبعض السقوط نجاة وبعضه استراحة وبعضه ولادةٌ لا نشعر بها إلا حين يأتي ربيعٌ جديد في قلوبنا.
هكذا يمشي الخريف فينا.
يُسقط الأشخاص كأوراقٍ مُرهَقة لكنّه يُمهّد لطريقٍ نُزهر فيه من جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى