حين تَهرَمُ الحُروفُ…جورج عازار/ سوريا

حُروفٌ وحُروبٌ
والأملُ تائِهٌ
على وَجهِهِ يَهيمُ
والأَفراحُ على مَهلٍ
تَضيقُ وتبتَعِدُ
الخُبزُ عَلقمٌ
والمَاءُ قانٍ أحمرُ
والذِّئبُ مِن دَمِ يوسفَ بَراءٌ
سَيفٌ وقتلٌ وتَنكيلٌ
والحُروفُ خَلفَ الأبوابِ
فَزَعَاً تَرتَعِدُ
بَعيداً ذَاتَ يَومٍ حَلَّقَ
سِربُ اليَمامِ
على مَتنِ أسمالٍ
من البَيارقِ المُهلهلةِ
وقرَّرَ ألَّا يَؤُوبَ
وأغصَانُ الزيتونِ
مازالتْ هُناكَ
في الوِهادِ تَتَرَنَّحُ
وأنفاسَها الأخيرةَ تلفظُ
بِضعةُ حُروفٍ تَلِدُ
من الكَلامِ بَحراً
حين تَجتَمِعُ
تَارةً في الفضاءاتِ يَسبَحُ
وطوراً في القيعانِ يَرزَحُ
حُروفٌ لَها الحِبرُ يَعشَقُ
والأوراقُ بِها تَفتَتِنُ
وأُخرى عِندَ البَاعَةِ
يوماً تُشترَى ويَوماً تُباعُ
والحُبُّ حَرفانِ
والبَغضاءُ على الضِّعفِ تَزيدُ
لَكنَّ البَعضَ للمُعضِلاتِ
يَعتنقُ
ولِليُسرِ دَوماً يَجتنِبُ
إنْ تفسُدْ الكلماتُ
فرائِحةُ الاِحتِضارِ تَنتَشِرُ
وإنْ تُزهرْ
فشَذا الياسمينِ في الأرجاءِ
يَضوعُ
“في البَدءِ كانَت الكَلمةُ”
والكَلمةُ لا تَموتُ
إنْ تَعجَزْ الحُروفُ
فالنَّفسُ بالأحاسيسِ
تَفيضُ وتَبوحُ
وحديثُ الجَنانِ
ذَوو الألبابِ يُتقِنُونَهُ
تَهرَمُ الحُروفُ
وتَهِنُ
مِن هَولِ ما تَلقى
وما تَجدُ
عبثاً تُغري الفَرحَ الهاربَ
والكَفةُ للحُبورِ
لا تَمتَثلُ
كُلَّمَا جَاءَ الجبارُ
فوقَ الجَّماجمِ يَضطَجِعُ
مُرغَمةً تُطيعُه
والتَّاريخُ حَالكاً يَصيرُ
“كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ
كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا،
وَلَمْ تُرِيدُوا”
شرفٌ هي الكَلمةُ
وفي فَمِ الأفَّاكِ
عَبثٌ وهَزَلٌ وهَباءٌ
نَرحَلُ بَعيداً ذاتَ مَرَّةِ
تَقرُبُ أو تَبتَعِدُ
وتَبقَى وَحدَها الحُروفُ
تُعاينُ الأضرارَ
وفي حيطانِ الذِّكرى
تَمُوجُ
ويظلُّ صَدى الكَلماتِ
عالِقاً بِستائرِ الغَيمِ تَارةً
وطَوراً حَولَ البيوتِ العَتيقةِ
يَحومُ
وفي اِرتقابِ مَن أبداً لا يَعودُ
يَبقَى سُدَىً يَنتظِرُ
بقلمي: جورج عازار
اللوحة بريشة الفنان التشكيلي المبدع السوري يعقوب اسحق









