كتاب وشعراء

في المعركة ……شعر عزه رجب سمهود

في المعركة …..
تسقط الشواهد
وتتبرأ من تحولات القبور
تذهب الريح عارية
من انسلاخات الوقت اللزج 
يتحول الفرسان إلى لغة الخشب
تسكت الحوارات
و ينظف الرصاص جلده
حتى ينطق عن هوى
البنادق ــــ

أثناء كسل النهارات
في بنغازي
أركل منمنمات النشيد
أغاني التراث
أحبس الحزن في قلبي
و أروى للبحر حكايا العابرين
كلما غاب النورس
تناسل الضوء من خيوط الملح …

كأن الملح يتكلس بين أضلاعي
و كأن برنيق مازالت هنا
ترفل بجناحها فوق لجج الماء
تمرر ساقيها فوق الصرح
وتكتب لنا أغنية العبور

برنيق قولي لنا كلمة السرِّ
التي تنمو بواسطتها خاصرة للبلاد
والتي تجعل الشكل بسيطا
بالغ التعقيد…..
قولي لي كيف نبلل كل هذا الحريق
و نطفيء حجر الجوع
ونصلب قيامة اللصوص
ونترك للريح فرصة اختيار الاتجاه ؟!

برنيق …..
حلمت بأنك تطوفين على كعبة الوطن
وتنذرين يوما للصيام
ويوماً للقيام
ويوما لنبارك اتجاه الصلاة
ونقول يا الله :
ارجم حزننا …..
و اطوِ شياطين بلادنا
في الأرض !

ما يدهشني :
ألاَّ تنضج فاكهة الانتظار .
وأرخبيلات الصمت تتزاحم
كطابور خبز في رأسي
اللغة قعر عاجز
لا يحركه حجر ….
الكلام خنزير خائن
لا يقبل الذبح …
الساعة تفقد قابليتها للتأكسد
المدينة التي حاول نيرون إحراقها
تنام بين جفنيك
وتنسدل خلف جدار الدعاء
الحب مطوية يحملها طلاب المدارس
كلما علت لهجات الرصاص !

برنيق …..
كلميني على السطوح
عن الفتيات اللاتي ينشرن قديد انتظارهن
ويرمين بأمنياتهن وراء الجنود
الذين غادروا لهذر المعارك
كلميني عن آخر الواقفات
تحت القمر المتخشب
من حوارياتنا العجفاء ….
وقولي لهم كم نحن ننتظر شغف البحر
كي يرمي لنا بروح (الشابي )
بسخاء كبير …
فمتى يُفتح باب السماء
ويُجفف مشمش انتظارنا الرحماني ؟

برنيق
هذه أنتِ ؟
التي تطوفين مسارب المدينة
و أوردة االشوارع
يا جنة الرياحين ….
كم ورداً قرأت عن سيدي غازي ؟
كم معزوفة عزفت من كف اليمام
حتي نُذرت لنا الحياة ؟
كم غيمة غزوت حتى عمَّنا المطر
وباركنا الهطول ؟
كل شيء بطعم قلوي
ومزاج حامضي
ونكهة اليقطين
كل شيء لولاك
يئن في علب السردين….
وبين متاهات القبور …
كل شيء لولا ضحكتك
يتوقف عن النمو
وحدك افرزت عصارة الملح
وحدك كتبت قرآننا بالياسمين
وحدك قلت لنا …
ومازال يمكنكم الصراخ !

برنيق …
ثمان سنوات لسن بعجاف
بل هن قريرات العين
لم يرين ضوء شمس
قددهن ناطور الحرب على مهل
جفف التين في محاجر العيون
وترك أمنياتنا لبرد الشتاء
ثمان سنين ….
وقلبي يرفرف عند الشمال
كمالك الحزين
يشم عطرك الإغريقي
ويصل السماء بخيط البحر
يُعمِّد النورس
ويمضي ليلته في نحيب العذراء
ثمان سنين
والمشكاة منطفئة
تناشد المئذنة قرابين الصلاة
كي يسقي زيتنا فتيل الرجاء !

برنيق ……
هأنذا أصلي
للجهات
لتحولات الصلاة
للركض الذي يحصل في السماء
للماء الذي يبلل فسحة الطريق
للأحاديث المُشجَّرة في عتمة الغاب
للتعويذات التي تُقال كلما سقط فوق رؤوسنا
عامود دخان ….
هأنذا أصلي
والحناء يمحو من يدي كل لغات الدعاء
ويترك اسمك
يتهجَّد فوق راحة الميناء !

لا وقت لدينا لنسمع هذا الصراخ
تعالي قليلا
ورافعي ساقيك فوق لجة الماء
اغرقي الحواري بتكلسات الملح
وامزجي جدران البيوت بألوان
السحاب
كلما فكروا في اليباس
رميناهم بأريج وردة
و سياج حديقة
تعالي قليلا
وتذوقي كيف يبدو
ندى الشابي
إذا ما اغتسل به صبي
وتوضأت من مائه عذراء
انظري كيف يتفجر الغمام
من رحم الرمال
وكيف يرفو النور
فوق ردهات الميناء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى