تقارير وتحقيقات

استنسخ فكر الجماعة فى تاجيكستان.. وعمل استشاريا للقاعدة وطالبان وإيران: باحثة تكشف عن هوية الإخوانى مصطفى حامد “أبو الوليد المصري”:

كشفت الدكتورة دلال محمود، المدرس فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، عن هوية الإخواني مصطفى حامد، المعروف بـ”أبو الوليد المصري”، القيادي بحزب النهضة التاجيكي، ذراع الجماعة بوسط آسيا، واصفة إياه بصاحب الفكر والتحرك التنظيمي متعدد الأوجه فى خدمة الجماعة.
وقالت دلال محمود، فى ورقة بحثية ناقشها مؤتمر “مصر وتاجيكستان في مواجهة الإرهاب.. تاريخية العلاقة بين النهضة التاجيكي والاخوان”، مساء السبت بالقاهرة، حملت عنوان “قراءة في كتابات قادة التنظيمات الإرهابية: مصطفى حامد نموذجا”، إن “أبو الوليد المصري” مفكر إرهابي له خصوصية الجمع بين أكثر من تنظيم، وهو تجسيد لاشتباك هذه التنظيمات وتوحد فكرهم واختلاف ظاهري في ممارساتهم، لما له من خبرة ثرية في عضوية التنظيمات الإرهابية، بداية من الإخوان في طفولته وشبابه منذ السادسة من عمره، حتى انضم لجماعة حقاني في أفغانستان عام 1979 حيث تعرف على القائد الميداني مولوي جلال الدين حقاني، وعمل معه حتى عام 1992م.
وأضافت أن أبو الوليد المصري عمل كاتبا أساسيا في مجلة “منبع الجهاد” التي أسسها جلال الدين حقاني في بيشاور عام 1991.وفي 1980 ربطته صداقة مع الزعيم عبدالرسول سياف،انتهت بخلاف شديد حول نهج سياف في قيادة جماعته المسلحة، ثم القاعدة حينما التقى بأسامة بن لادن في بدايات عام 1988م، وربطتهما صداقة قوية ظلت مستمرة حتى مقتل زعيم القاعدة في 2011، لكنه لم يكن على وفاق مع خليفته أيمن الظواهري، الذي تعرف عليه في مدينة بيشاور الباكستانية بالقرب من الحدود الأفغانية عام 1986، ولم تمنعه صداقته لابن لادن من مبايعة زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر، في مدينة قندهار، كأول من بايعه من العرب أميرا للمؤمنين في أواخرالعام 1997.
وبحسب الباحثة، تخرج أبو الوليد المصري عام 1969 في جامعة الإسكندرية بكلية الهندسة قسم الهندسة الميكانيكية، لكنه عمل في الصحافة خلال فترة السبعينات في أبو ظبي، وفي التسعينيات عمل مراسلا لقطر في أفغانستان، ولم تمنعه وظيفته الإعلامية من القيام بدوره داخل التنظيمات الإرهابية التي انتمى إليها.
وقدم أبو الوليد المصري أفكارا متناثرة في أعماله الكتابية المختلفة (كتب ومقالات وأشعار)، وقدم نفسه ككاتب وربما مؤرخ للقاعدة (كما يعرف عنه)، ولكنه في الواقع يؤرخ لمرحلة زمنية عاصرها تشترك فيها القاعدة وطالبان وحزب النهضة التاجيكي وغيرها من الجماعات الإرهابية المحلية في منطقة أسيا الوسطى.
وشارك بالإعداد والتدريب للإرهابيين (أو الجهاديين كما يذكرهم في كتاباته) في أفغانستان والشيشان وتاجيكستان، وشارك بنفسه في أفغانستان في السبعينيات ضد الاتحاد السوفيتي السابق، وانضم لحزب النهضة التاجيكي في عملياته ضد النظام الحاكم الذي اعتبروه متآمرا لصالح السوفييت في مرحلة تاريخية سابقة.
وعلى مستوى آخر من التناقض، عودته لإيران عام 2016 بعد تسلله خارج مصر، وإقامته الدائمة فيها حاليا، رغم أنه مكث بها لمدة عشر سنوات تحت الإقامة الجبرية (2001-2011)، وجرى حبس ابنه الأكبر بها لاتهامه بالتجسس لصالح إسرائيل وتهريبه لآثار أفغانية عبر إيران، وما يقدمه من تفسير حول مساحة الحرية الموجودة في إيران لكتاباته وحركته، تثير المزيد من الغموض ولا تفسر تناقض أفعاله، وتجعل تفسيرا آخر يظهر وهو توافقه التام مع إيران واستضافته وغيره من قيادات القاعدة على أراضيها لمدة 10 سنوات.
ومع بداية أحداث “الربيع العربي” في عام 2011م عاد مصطفي حامد مع محمد الاسلامبولي (شقيق خالد الاسلامبولي، قاتل الرئيس أنور السادات) وسيف العدل، من إيران إلى مصر ليكون له دورا فيها إذا ما تمكن الإخوان المسلمون من الحكم واستمروا فيه.
وتؤكد دلال، أن “أبا الوليد المصري” نموذج لقادة الفكر الإرهابي الذين يدسون في عقول الشباب أفكارا ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، يحركون الفكر ويمارسون غسيل العقول للمجندين حديثا في هذه التنظيمات، وأمثاله ليسوا أقل خطورة من حاملي السلاح وممارسي العنف والتدمير من الإرهابيين، وربما كشف فكره والتمعن في قراءة أفكاره، خطوة أولية للحد من تأثيرها.
قدم أبو الوليد المصري حوالي 15 كتابا خلال الفترة من 2006 إلى 2015 يغلب عليها الطابع الروائي وأسلوب الحكايات، وهناك فكرة واحدة محورية تسيطر على كتابات أبي الوليد المصري وهي فكرة “الدولة المركزية”، بمعنى “دولة إسلامية مركزية”، تُحكم باسم المسلمين الجهاديين وتنفذ فكرهم الذي يقوم على أن يكون الدين هو شرعية الحكم، وهو يوظف مختلف الأفكار الفرعية لتحقيق هذه الفكرة المحورية، ما يفسر انتقال ولائه لعدد من التنظيمات.
في أواخر التسعينيات من القرن الماضي أدرك أبو الوليد المصري أن تنظيم القاعدة يمارس عملياته للتأثير على الولايات المتحدة ويوجه ضربات متفرقة ولا يسعى على الأقل في هذه المرحلة لتحقيق دولة إسلامية مركزية ولا يستهدف “عالمية الحكم الإسلامي”، فأعلن ولائه ومبايعته للملا عمر عام 1997 كأمير للمؤمنين وأن أفغانستان هي الإمارة الإسلامية التي يمكنها أن تكون النواة لهذا المشروع “دولة إسلامية مركزية”.
وتلفت الدكتورة دلال محمود إلى أن الفكر السلفي الجهادي الذي يشكل المرجعية الفكرية لجماعة الإخوان وحزب النهضة التاجيكي، يقوم على أسس أربعة: الحاكمية والخلافة والجهاد وعالمية الرؤية، وهى أفكار أبي الوليد المصري، فهو يتحدث عن الحكم الإسلامي المركزي باعتباره واحدا ولا توجد له بدائل أو تطبيقات مختلفة، ومركزية الحكم الإسلامي ومبايعته لأمير المؤمنين “ملا عمر”طالبان، ليست إلا تأكيدا لفكرة الخلافة ومركزية دور الخليفة، والسلاح واستخدام العنف والتدريب عليه والمواجهات العسكرية وامتلاك الجهاديين لقوة عسكرية مركزية هي تفاصيل لممارسة “الجهاد” كأحد ركائز فكر الإخوان، وحكم الإسلامي المركزي بفروع وانتشار عالمي، هو انعكاس دقيق لمبدأ عالمية الرؤية للعالم (دار الحق ودار الباطل).
وجد أبو الوليد المصري الفرصة متاحة لتنفيذ المشروع الإسلامي لإقامة حكم إسلامي مركزي وتطبيقه في تاجيكستان، وقد أكد هذه الرؤية في كتابه الذي أسماه “مشروع تاجيكستان”، ويبدأ بتلاقي المصالح بين حزب النهضة التاجيكي والقاعدة، الأول يريد من القاعدة مساعدته في الوصول للحكم ويعمل ضد حكومته، بينما القاعدة يريد تشكيل ظهير له في تاجيكستان.
في كتابه يؤكد أبو الوليد انخراطه الكامل وتبنيه لمشروع تأسيس حكم إسلامي يمثله حزب النهضة في تاجيكستان، واشترك من بدايات الفكرة وتواصل مع “حق نظر” و”عبد الله نوري” لمناقشة احتياجاتهم التي ظنوا انها تقتصر على السلاح (صواريخ ستينجر) التي اعتمد عليها الإرهابيون في أفغانستان في السبعينيات، لكنه أقنعهم بأن الأمر لا يقتصر على هذه الصواريخ.
أقنع أبو الوليد قيادات القاعدة بالمشروع ليوفروا لحزب النهضة التاجيكي أكبر قدر ممكن من السلاح المتبقي مع القاعدة، وتولت كوادر القاعدة تدريب أعضاء ومبعوثي حزب النهضة التاجيكي الذين يأملون في توليهم مهمة الوصول للحكم، بل وضمهم في معسكرات القاعدة “معسكر الفاروق” و”جهاد وال” بل وتخصيص معسكر “خوست” لهم، واستطاع إقناع الجهاديين المصريين الموجودين في أفغانستان بتولي تدريب عناصر التاجيك الذين أرسلهم حزب النهضة، كما تولي مهمة التجنيد العقلي لأعضاء حزب النهضة وتعليمهم منهج القاعدة ليكملوا مسيرته في تاجيكستان.
أشرف على التنفيذ للمشروع بالذهاب مباشرة لتاجيكستان بعد أن تم تهريب ونقل السلاح والمعدات هناك، وبعد انتهاء هذا المشروع لم ينقطع التواصل بين حزب النهضة والقاعدة، ولم يتوقف حزب النهضة الإخواني عند التواصل مع القاعدة، ففي 31 ديسمبر 2001م نشرت جريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية خبرا تحت عنوان “تم تحذير الأمة: دبلوماسية القاعدة” مستدلا فيها بدلائل قاطعة على علاقات حزب النهضة الإسلامي الإرهابي المتطرف مع كل من جماعة الإخوان المسلمين، “القاعدة”، “السلفية الجهادية”، “طالبان”، “حركة أوزباكستان الإسلامية” ودوائر استخباراتية لدول أجنبية أخرى.
يقدم أبو الوليد المصري نموذجا لمفكرمقيد بالارتباطات السياسية يكتب وفقا لهذه الارتباطات، فلا يوجد وطن لأبي الوليد المصري، وحينما وجد رؤيته قابلة للتنفيذ في أفغانستان ذهب إليها وظل بها فترة، وحينما وجد تاجيكستان فرصة سانحة لتنفيذ فكره من خلال حزب النهضة ذهب ليدرب وينفذ المشروع، وانتقل لإيران أيضا، وثانيا الترابط مع الشيعة ورفض المذهبية، فإيران دولة ذات علاقات خاصة بالتنظيمات الإرهابية، يثبتها تجنب هذه التنظيمات،خاصة “القاعدة”،شن أي عملية ضد مصالح إيرانية في الداخل أوالخارج، فالنظام الإيراني فتح أبوابه لقيادات التنظيم رغم الهوة العقائدية والفكرية الشاسعة بين الطرفين. وقدرعدد من تؤويهم إيران من قيادات التنظيم بنحو 500، كما تحولت إيران إلى الملاذ الآمن لقيادات “القاعدة”.
وهناك مصالح متبادلة، فإيران تحتوي أبي الوليد المصري وتوفر له نافذة لبث أفكاره وسمومه وهو يظهرها كنصير للمستضعفين من المسلمين فتكسب الدعم والقبول عند قاعدة جماهيرية داخل إيران وخارجها، خاصة في جوارها المباشر لأفغانستان وبقية دول آسيا الوسطى.
وتختتم دلال، بأن أبا الوليد المصري رجل فكر وحركة معا، ولا يجب النظر إليه كمؤرخ فقط لكنه ربما أقرب لاستشاري أعمال التنظيمات الإرهابية، هو الآن أقرب لطالبان، وإذا تقدم داعش ربما يبايع الخليفة البغدادي أو من يخلفه، ويعيد تنظير الفكر السلفي الجهادي من منبعه لجماعة الإخوان بمفردات هذا العصر، وأفغانستان هي الدولة النموذجية لتحقيق أفكاره ولذلك قال: “لو كنا أفغانا لما ضاعت فلسطين”، لكن ربطه بين فلسطين وأفغانستان هو قول “حق أراد به باطل”، فليس الإرهاب هو السبيل لنيل الحقوق، وترويع الآمنين والتطاول على آيات الله واحتكار تفسيرها ومعانيها لا يمت للدين بأية صلة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى