كتب ومكتبات

الاسبلة العثمانية بمدينة القاهرة .

كتب :مصطفي شريف

يعتبر كتاب الاسبلة العثمانية بمدينة القاهرة 1517م – 1798م، أحد أهم الدراسات المعمارية التى كتبت فى مجاله.
إذ يتتبع بناء الاسبلة من اللبنة الأولى حتى الانتهاء منها، مع التعريف بها وبيان دورها الاجتماعى، وفيه شرح وإيضاح بالغ العمق كتب بأسلوب أدبى بديع .
والسبيل هنا هو منشأة مائية لتزويد عابرى السبيل بالمياه، وهى عادة عند كل الملل منذ القدم، ولكن كان لها وضع خاص عن المسلمين وخاصة فى مناطق الشرق ولاسيما قليلة المياه، وقد لعبت الاسبلة دورا هاما فى تقديم أهم خدمات الرعاية الاجتماعية، وقد تمتعت القاهرة على مدى عصورها بالنصيب الأوفر من هذه الرعاية.
وباقى بمدينة القاهرة حوالى 70 سبيلا خاصة بالعصر العثمانى فقط موضوع الدراسة، هذا بخلاف العصر المملوكى والذى وضع الاساس المعمارى والوظيفى للسبيل والذى نقل بعد ذلك عن طريق الصناع المصريين الى اسطنبول بعد دخول سليم الأول مصر عام 1517م، وكان مايعرف فى تركيا هو السبيل الجشمة “الماصة” والذى يوجد خزان المياه خلفه وهو من عصر السلاجقة، وقد نقل فكر الصهاريج الموجودة تحت الأرض بغرض تخزين المياه من العصر المملوكى، فكان التطور فى السبيل العثمانى الجامع بين الجشمة وشباك التسبيل وهو النموذج الاوضح فى مدينة القاهرة.
وفى مدينة القاهرة تركزت معظم الاسبلة بشكل عام فى المناطق الآهلة بالسكان والأسواق والأحياء التجارية ومنها على سبيل المثال شارع المعز لدين الله الفاطمى، والتبانة، والصليبة، والخليج المصرى، ومنطقة السيدة زينب.
– عمارة السبيل العثمانى وأنواعه:
والأساس فيه أن يتكون السبيل من طابقين :
– الصهريج :
…………..
الطابق الأول وهو الصهريج وهو المخصص لتخزين المياه تحت الأرض ومسقوف بقباب غير عميقة محمولة على عقود ترتكز على أعمدة، وكانت حجارة الصهريج من الحجارة المقاومة للرطوبة ومونتها من الجير والحمرة، وللصهريج ثلاثة فتحات فى العادة، الأولى لتزويد الصهريج بالماء وهى بواجهة السبيل، والفتحة الثانية المأخذ ومنها يتم رفع الماء لاحواض التسبيل، أما الفتحة الثالثة كانت مخصصة للنزول الصهريج لتنظيفه وتطهيره وتبخيره، وفى بعض الاسبلة كان يتم الاكتفاء بفتحتين فقط.
– حجرة التسبيل :
………………..
الطابق الثانى شيد على مستوى الأرض اوفوقها بقليل، ويتكون هذا الطابق من حجرة التسبيل يلتف حولها باقى الملحقات ، وقد تعددت أشكالها حسب المساحة والبيئة المحيطة. فقد تكون حجرة التسبيل مربعة أو مستطيلة، وعرفت حجرة التسبيل فى الوثائق باسم “المزملة”، ويقع فى مواجهة هذه الحجرة الشاذروان وهو لوح رخامى مائل ومنحوت لتمرير الماء عليه وكان يستخدم للتبريد، وقد أبدع المعمارى فى تجهيز السبيل للقيام بوظيفته خير قيام، فجعل فى مواجهة الشاذروان شبابيك التسبيل وبارضيتها أحواض ليأخذ المواطنين الماء منها ولوحا رخاميا آخر لوضع الكيزان ولتوفير الراحة للواردين جعل فى واجهته مصطبة لوقوف المارة أثناء الشرب وفى الأعلى رفرف خشبى لحماية المارة من الشمس، وبجانب هذا اضفى الفنان المزيد من العبقرية فى تزيين أرضية وسقف حجرة التسبيل وكان السقف مكون من مجموعة براطيم الخشبية .
– الكتاب :
………..
كان عادة يكون للسبيل طابق ثالث وهو الكتاب، وكان الهدف منه تعليم اطفال الصغار من أيتام المسلمين، لم يكن ارتباط الكتاب بالسبيل إلا استغلال المساحة العلوية هذا من واجهة واستكمالا للغرض الوظيفى وهو تقديم الرعاية الاجتماعية للمواطنين من جهة اخرى، وجاء التكوين المعمارى للكتاب على طرازين منها المحلى “مملوكى” وتكون حجرته غالبا تأخذ شكل المستطيل يطل ضلعه الأكبر على الشارع مثل كتاب سبيل يوسف الكردى وكتاب سبيل الست صالحة وفى أحيان أخرى يكون الضلع الأصغر هو المطل على الشارع مثل كتاب سبيل خسرو باشا .. أما الطراز الثانى فهو التركى والذى تأخذ واجهته الشكل المقوس مثل كتاب سبيل إبراهيم بك الكبير
– أحواض التسبيل كانت أربعة أنواع منها المربع مثل أحواض تسبيل خسرو باشا وسبيل الشيخ المطهر، وهناك الحوض المستطيل والحوض المستدير والبيضاوى والمفصص مثل حوض تسبيل سبيل نفيسه البيضا، وكانت هذه الأحواض تصنع من الرخام الملون .
– وتنقسم الاسبلة إلى طرازين متميزين فى الاسبلة العثمانية .. الأول ذات النمط المحلى “مملوكى” ويوجد منه أسبلة ذات شباك واحد مثل سبيل رضوان آغا الرزاز وسبيل على آغا دار السعادة.. وهناك اسبلة ذات الشباكين مثل سبيل خسرو باشا – وهو أقدم سبيل عثمانى باقى – وسبيل جمال الدين الذهبى .. واسبلة ذات الثلاثة شبابيك واشهرها سبيل عبدالرحمن كتخدا بشارع المعز . أما الطراز الثانى فى الاسبلة ذات التأثير التركى وبدا بالقاهرة منذ منتصف القرن الثامن عشر وبدا معه ظهور السبيل المصاصة ومن امثلته سبيل رقية دودو بسوق السلاح وسبيل السلطان مصطفى بالسيدة زينب وهو من الاسبلة المستقلة ،ويظهر بشكل أوضح فى أسبلة عصر محمد على حيث الرفارف المقوسة.
– السبيل المصاصة :
…………………..
وهو عبارة عن لوح من الحجر أو الرخام يحتوى على بزبوز أو بزبوزين من النحاس ومثبت فى الواجهة الخارجية للسبيل، يتصل بهذا اللوح حوض كبير مربع أو مستطيل من الحجر أو الرخام يوجد بداخل حجرة التسبيل ويتم تزويد هذا الحوض بالماء من الصهريج .. يبقى أن نعرف كيفية استخدام السبيل المصاصة؟ ذكر البعض أنها تستخدم لشرب المارة عن طريق المص، ولكن ما فائدته وهو موجود بجوار شبابيك التسبيل فى نفس السبيل وهى تؤدى وظيفتها احسن ما يكون! وهنا يرجح الدكتور محمود حامد الحسينى، أن منشىء الاسبلة عندما اضافوه إلى اسبلتهم أرادوا به التوسع فى فعل الخير للفقراء فجعلوا للفقراء من قاطنى الحى لتزويدهم وتزويد منازلهم بالماء ولكن بطريقة مقنتة، فقد استعمل السبيل المصاصة فى موطنه الأصلى بتركيا لتزويد الأهالى بالماء اللازمة لهم فى قلل واباريق، ويذكر أندريه ريمون بأنه ” كان هناك أحواض خارج السبيل يقصدها السيدات ليأخذن ما يلزمهم من المياه مجانا ” وبهذا يكون المقصود بهذه الأحواض هى الاسبلة المصاصة، كذلك أحواض الاسبلة المصاصة أكبر من أحواض التسبيل وهذا يدل على كمية المياه التى تسحب منه، ويلاحظ أيضا وجود البيسل المصاصة فى دخلة مستقلة بعيدة عن شبابيك التسبيل مثل سبيل رقية دودو وسبيل نفيسه البيضا وسبيل عبدالرحمن كتخدا.
– زخارف الاسبلة العثمانية :
…………………………..
أن المتطلع إلى الاسبلة العثمانية يلحظ مدى حب الفنان وولعه بالزخارف وأشكالها الهندسية كانت أو نباتية، وكذلك مهاراته فى تنفيذ هذه الزخارف المختلفة على الواجهات الخارجية للسبيل على الحجر والرخام وفى تغشيات شبابيك التسبيل، ويتضح الثراء الزخرفى داخل حجرات التسبيل فى الأرضيات الرخامية المختلفة الألوان وجدران الحوائط هذا إلى جانب الأسقف التى أبدع الفنان فى تزيينها بشتى أنواع الزخارف وهذا طوال القرن السادس والسابع عشر وحتى الثلث الأول من القرن الثامن عشر الميلادى، وقد اختلف الأمر من بداية النصف الثانى من القرن الثامن عشر الميلادى حيث يلاحظ الثراء الزخرفى الواضح لواجهات الاسبلة ذات التأثير التركى.
– نماذج لزخارف ألاسبلة التى اقامتها نساء
يلاحظ فى أسبلة النساء “خاصة فى العصر العثمانى”، أعلى شباك التسبيل وجود تغشية نحاسية عرفت بالفازة، ولكنها ليست بفازة، فيذكر الدكتور محمود حامد الحسينى : ” صمم الفنان هذه الفازة كأنها صدر امرأة، والفروع التى تخرج منها كأنها العروق التى يسرى فيها الدم الذى يبعث الحياة، أما الصرتين الجانبتين فعبر بهما عن النهدين اللذين على جانبى الصدر فجاء هذا التصميم الجميل مصورا الحنان التى تنبعث من صدر المرأة إلى ثديها”. ويتضح هذا الوصف جيدا فى شبابيك التسبيل الثلاثة بسبيل نفيسة البيضا يمين الداخل من باب زويلة بجوار عطفة الحمام والتى عرفت لفترة بعطفة الآياتى وملحق بالسبيل وكالة السكرية ويرجع تاريخ الإنشاء لعام 1796م. وبهذه الزخارف استطاع الفنان ابراز دور المراة وانها فى عطاءها لا تقل مكانه عن الرجال
– الكتابات :
………….
بسبب انصراف الفنان المسلم عن تصوير الكائنات الحية، اتجه إلى الزخارف الهندسية والنباتية، وكان هذا مدخل اتخاذ الكتابات كعنصر زخرفى تسجيلى منذ البداية، وساعد على ذلك طبيعة هذه الكتابة وأشكال حروفها وما تمتاز به من الموافقة والطواعية والمرزنة، وقد مرت هذه الكتابات باطوار متعددة فمن الخط الكوفى ثم تراجعه وتقدم خط النسخ والذى اشتق منه خط الثلث والذى ساد فى مصر أثناء العصر المملوكى، وعندما جاء العثمانيون ورثوا هذه الخطوط وقد اخذوها ناضجة مستوية على عودها وساروا بها إلى الأمام، حيث أتقن العثمانيون تقليد وتحسين الخطوط الستة المعروفة “النسخ، والثلث، والتوقيع، والريحانى، والرقعة، والنستعليق” حيث نجد أن أعمالهم خطاطيهم لم تزل تعتبر كنماذح تقلد فى جميع البلدان الإسلامية، ويبرز ذلك فى النوع المعروف بالخط الجلى. والخط الغبارى – النسخ المصغر – والخط المثنى وهو الكتابة المتعاكسة المتناظرة، وهذه الخطوط من هى اروع ما قدمه تطور الخطوط العثمانية .. وتعتبر الطغراء واحدة من أروع الصور الزخرفية للكتابة العربية .. وقد زينت الخطوط العثمانية واجهات الاسبلة العثمانية بمدينة القاهرة .. وترجع أهمية الكتابة الزخرفية على الاسبلة فى أنها تخلق نوعا من التوازن بين السطوح وتكسر حدة تسطح وامتداد الجدران. -. كان عصر ازدهار بناء الاسبلة فى القرن السابع عشر الميلادى ..وكانت الاسبلة أما مستقلة أو ملحقة بمبان أو محال للسكن أو للتجارة والأصل فى العصر المملوكى أنها كانت ملحق بكتاب أو مسجد، وفى العصر العثمانى أخذت تستقل بالرغم ان العدد الباقى للأسبلة الملحقة أكبر من المستقلة،،وهذا يرجع لقلة المساحات المتوفرة لبناء الاسبلة، وتميزت الاسبلة الملحقة فى العصر العثمانى بأنها ملحقة بمنازل وهذا النوع غير موجود فى العصر المملوكى.
– أهم ما قدمه الكتاب هو التقدير والاعجاب المستحق للبناء الذى خطط ونفذ، والفنان الذى أبدع وزخرف، والخطاط الذى كتب بالثلث والنسخ، فخرج إلينا شاهد على الجمال تسر الناظرين وماء سلسبيل لسقاية الظمىء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى