كتاب وشعراء

هامش نقدي : لقصيدة “وشائج الوحشة”* للشاعر العراقي ضياء الجنابي

الكاتب: سعيد الجريري- أمستردام

في ومضة تركيبية خاطفة ينسف الشاعر “وشائج” متخيلة إذ يضيفها إلى “الوحشة”، في تركيب العنوان، فيغلق مفتوحاً ليفتح مغلقاً، فالوشائج، بما هي عُرًى و صلاتٌ وروابطُ ممتدةٌ في الزمان والمكان، تغادر دلالتها الأولى متلبسة دلالة أخرى يفتحها النص وتفتح صور المتخيل الشعري الموحش (على مدافن الموتى – قيامة الذهول – ذؤابات المخاوف المتشنجة – احتشادات النهايات المكممة الأفواه – فحيح الحلم المستنسخ آلاف المرات …).
في مشهدية قلقة يراها “نشوة جحيمية/ مكتنزة بالسلالات السرية للضوء/ تلتف حول سرّة الماء/ وترتق النشيج/بكل ما تختزنه المدامع/ من حروق في مكمن الجرح” يشهق النص بـ(لماذيات) شعرية متواترة، فضاؤها (دجلة)، التي تصعد من قاع النص حيث الهامش المحيل على قول الجواهري (غنيتُ سفحكِ عن بُعدٍ فحيّيني* يا دجلةَ الخيرِ، يا أُمّ البساتينِ)، إلى سطح نهره الجاري في أعماق الذات الشاعرة: ( لماذا كلما غنيت سفحكِ دجلة/ كنت على بُعد …؟ – لماذا شقائق النعمان/ تقتلع الشواهد/ من المشرع المكتظ بالنوارس؟ – لماذا تهِب الزنابق قسماتي/ لامرأةٍ عابرة/ وتلفها بورق الموسيقا؟ – لماذا العيون ترتقيك/ وتحاول تسلق الشاطئ/ وأنت تغورين في الشح المنقوع بالدسائس في أبهة الشحوب؟ – لماذا الحروف ترتعش/ في مجرة اسمك/ مثل مذنّب حائر/ وتعمّد ما تآلف من حس بدائي/ بماء الذاكرة ؟ – لماذا كلما توهّجت شفتاي/ ببنت حرف/ يختلج المصباح/ بين الموجة والقاع؟).
قلق الوحشة يُعلي ألق الحنين، في النص، ويشعل الذاكرة، في تماسها العميق مع المكان الفقيد، الحاضر بكثافة في وحشة المكان البعيد المثقلة بالحيرة التي (تصفن) – بالدلالة العراقية – في كل خفقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى