كتاب وشعراء

معرفة الذات …..بقلم جليلة بالفالح تونس

الكتابة أشبه بجرعات داوء للبعض، هي ذاك النبع الذي بمجرّد ملامسته و تذوّق مياهه العذبة تستبشر الوجوه. كما أنّها تمثّل هروبا من واقع مرير للبعض الآخر، موطن نحتمي وراء سطوره بعيدا عن التجاذبات السياسيّة، العرقيّة، الإيديولوجيّة و التّفاهات المعلّقة على أبواب السذّج و السفهاء.
لطالما أتساءل عن جدوى المناصب و المراكز مع غياب الرّاحة النفسيّة في بلدان تستنزف طاقة الفرد و تشلّ مواهبه، تعتمد على العطاء الآحاديّ الجانب. يغيب و يضمحلّ فيها العدل و التناصف فتقتل كلّ عطاء من شأنه أن يطوّر و ينهض بالمجموعة. حتّى باتت في زمن معيّن، هجرة الأدمغة موضة يتباهى بها الغرب و الأجانب و يكتفى الموطن الأمّ يتيما يغرّد عند تتويج أبناءه.
كنت و لازلت أومن بأنّ السّعادة مأتاها الذّات البشريّة، و لا وجود لسوق تباع فيه حتّى و إن بيعت الضمائر كما الأعضاء، فإنّنا نظلّ نطمح لذلك النور الذي يبهرج حياتنا. نور يبعثه اللّه لقلوب صافية، صادقة مع أفعالها كما أقوالها، مع داخلها كما خارجها…
اليوم، و بعد أشواط طويلة مع نظال المرأة العربيّة و محاولة وصولها إلى القمم، و كسر جدار التمييّز بينها و بين جنس الذكر، في مختلف المجالات، أصبح من الضروري الوقوف للحظات لتقييم الأهمّ و المهمّ في مسيرة كلّ أنثى سعت جاهدة إلى تحقيق ذاتها و مضت حقبا…كلّنا نعلم و نعي معنى الشعارات التي رفعت في معظم البلدان تناشد “شغل حريّة كرامة وطنيّة”…ثلاثة مطالب إرتبط فحواهم ببعضهم، فبدون شغل لا تتحقّق كرامة الفرد، و بغياب الحريّة لا معنى للوجود… فكلّ نفس خلقت حرّة أبيّة لا ترضى الظلم و لا تأبه القهر.
و لكنّ هذه الشعارات و إن تحقّقت، غاب فيها جانب رئيسيّ، لا ينفع المطالبة به. فبناء ذات الفرد و النهوض بها و بإنسانيّتها متعلّق بقراءة جيّدة لتاريخ أمم سبقتنا، بقناعة تامّة بأنّ الله لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
و من هنا، أصبح من واجب الدولة إضافة مادّة تدرّس و تعنى بالرقيّ بالأنفس. فالعلوم الجافة و النظريات المنصوص عليها بمجلاّدات إمتلأت صفوف المكتبات بها، لم تعد كافية و لا تفى بالتطوّر التكنولوجي السريع. و ربّما هذا ما يفسّر تدهور الوضع الأخلاقي، الإجتماعي للفرد و إزدياد الضغوطات النفسيّة و ما تخلّفه من جرائم، انعكاسات سلبيّة إلى المضيّ قدما بمختلف الإنجازات و النجاحات.
فنجاح الفرد نتاج لبيئة سليمة، فكر منفتح، و تسامح مع الذات أوّلا و أخيرا. فحبّ الذات لم يعدّ مرتبطا بمرض الأنانيّة و لا يقاس أو ينظر إليه من تلك الزاوية، بل أنّنا إن لم نلتفت إلى قراءة معمّقة لذواتنا، دخائلنا سنظلّ قابعين في سجن التضاربات التي لا تنتهي. فمن حقّ كلّ نفس عليك أن تعرف ذاتك و تسكنها عرش قلبك و فكرك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى