بأول الكأس قالت ..: الشاعر عبد الحميد الرجوي
بِأَولِ الكأسِ قالت : قَبِّلِ الهُدُبا
أَرِحْ بشعركَ في فَيروزِها التَعَبا
قُلْ ما تَشاءُ بها شِعراً ولو كَذِباً
ياسيدي قُلْ ، فأحلى الشِعرِ ما كَذَبا
وَشوَشتُها ، و أنا أَشتَمُّ رائحةً
أَكادُ أُقسِمُ أن الياسمينَ حَبا
مَدَّتْ يَدَيها ، و قالت لي بضِحكَتِها
خُذْ ما تَشاءُ ، ولا تَستَوضِحِ السبَبا
على ذراعَيكَ راقِصني ، و فَوقَ فَمي
أَلْـقِ العناقيدَ شِعراً ، و اقطِفِ الرُّطَبا
طَوِّقْ بيَ الخَصرَ ، سَافِرْ في خُرافَتِهِ
و إن تُرِدْ سُكّراً فَلتَعصِرِ القَصَبا
.
.
.
في لحظَةٍ هكذا جَاءَتْ ، و قد نَثَرَتْ
بالكُستَناءِ على أَكتافِها الذهَبا
جَاءَتْ تُبَعثِرُ ما لَملَمتُهُ بيَدي
عشرين عَاماً ، تَلاشَتْ في النساءِ هَبَا
لَمَحتُ في صَدرِها فَرقاً اَذوبُ بهِ
و الأَرنبانِ بأحلى الطيشِ قد لَعِبا
لذيذةُ العطرِ ، عَطشَى للحياةِ ، لها
فُمٌ من التوتِ ، سُبحان الذي وَهَبا
للنيلِ أُغنية ٌتَنسابُ في فَمِها
و في أَصابِعِها مَاءُ الفُراتِ صَبَا
إن النبيذَ هُنا كَأسٌ تُعَربِدُني
كأن في شَفَتَيها تَعصِرُ العِنَبا ؟
.
.
.
مازلتُ أَذكُرُ في أَنفاسِها لَهَباً ،
مَاءً ، على الشَفَةِ السمراءِ قد سُكِبا
يَستَأنِسُ الليلُ في أَجفانها سَكَناً
كأنها كعبَةُ في الحُبِّ للغُرَبا
في خَدِّها خَجَلُ الأَطفالِ يَلعَبُ بي
و ما أرقَّ ــ إذا دَاعَبتُهُ ــ اللعِبا !
ما أَروعَ الخالَ ! يَستَلقي على عُـنُـق
كحبّةِ المِسكِ ، فيهِ المُشتَهَى ذَهَبا
.
.
.
بَدَتْ ، و في ثَوبِها الشفافِ تُربِكُني
فَكُلُّ شيءٍ ــ إذا غَازَلتُهُ ــ اقتَرَبا
لم يَبقَ في حَلمَتَيها ما تُخَبّؤهُ
خَلفَ القَميصِ ، فَبَعضُ الأُمنياتِ غَبَا
كأن في الكَرَزِ الوَرديِّ قد عُصِرَتْ
مليونُ أُنثى ، فَذَابَ النهدُ و انتَصَبا
في هَالَةِ الصدرِ ما أَشهَى أُنوثَتَها !
إني قَرَأتُ على النهدَينِ ما كُتِبا
.
.
.
.
تُراودُ النفسَ حَدَّ الإشتهاءِ لها
طَيشاً ، يُعَربِدُ في خُلخالِها طرَبا
ما بَينَ أميالها تَهتَزُّ فاكهةٌ
سَالَ النبيذُ بها ، كي يُشعِلَ اللهَبا
في نَشوَةٍ يَتَمَشّى في جَوانِبِها
خَيطٌ من البُرتُقالِ ، ابتَلَّ فالتَهبا
فغَاصَ بين شِفاهِ الوردِ مُنتَشيَاً
ليَستَحِمَّ بشهدٍ في الغَوى رَغِبا
وحبّةُ اللوزِ ذَابَتْ فَوقَ سَاقيَةٍ
ورديةٍ ، فَأَلَذُّ اللوزِ ما وَثَبا
ذَابَتْ ، تَماهَتْ ، تَلاشَتْ في يَدي شَبَقاً
و أَشعَلَتْ ثَورةً ، تُغري بيَ الصَخَبا
.
.
.
……………….
عبدالحميد الرجوي