كتاب وشعراء

غــــــــــــدر البـــــــــــــحر…..شعر المفرجي الحسيني

عقدت هدنة مع الذاكرة
كانت الذكريات تعود كما الامواج
تقذف بها مرّة اخرى الى نفس الشاطئ 
هي امواج الحياة العاتية
الشاطئ الذي غادرته قبل عقود ثلاث
عندما تزوجت احد شباب القرية
للهروب الى ابعد مكان من رائحة الموت
عاد بها الموت هاربة مرة اخرى من حيث جاءت
كانت تحمل الموت في حقائبها
ليكون لها قدرا غريبا
كان الموت ينتظرها في موضة جديدة
هي امرأة منهكة اكسبتها الفواجع حكمة الضحية
لا تتوقف عن التسبيح والتمتمة
متألمة هشاشة الوجود الانساني وعبيثته
لم يترك لها القدر فرصة لنضوج طبيعي
كان عليها ان تكبر مرة واحدة
لكأن ثمة مستحقات القدر عليها يجب دفعها
ترى الان قدرها يتكرر
مع طفلتها بعد ان ابتلع البحر، بكرها
كمن يعيش عملية بتر احد اعضائه دون مخدر
كان عليها ان تعيش فجائعها وهي في كامل وعيها
ان يدهموا بابها كل مرة
ليدخلوا عليها مرة بجثة ابنها ومرة بجثة ابيه
عليها ان تواصل الحياة برغم كل ذلك مع القتلة
ليس من الالم الاعظم ان تدفن اباك بل ان تدفن ابنك
من حقها ان تنجو
ان تقفز من المركب
ان تجذف حتى الضفة الاخرى
لا احد يرمي نفسه الى البحر دون امر واضح
ان لم يكن القهر قد القى به اليه
ليس كل من ابحر نجا او رمى نفسه
لهول مصائب الناس
نسوا ان البحر غدّار وله نزعات سوداوية اجرامية
صدّقوا انه رفيق دربهم سيأخذهم الى الضفة الاخرى
ابحروا القوا بأنفسهم
لكن ليس للبحر ايدي ليتلقفهم
بما نزل اليه في قوارب الموت
البحر لا يصادق الفقراء
وقواربهم الورقية المثقلة بحمولتها بهم
يتسلى بها يبتلعها وهو جذل بالضحك
يعيدهم جثثا الى الشاطئ الذي جاءوا منه او شبه احياء
الغدر شيمة البحر
نسوا ذلك
ليترف الموت
غدا له صرعات وموضات وتشكيلته الجديدة في كل موسم
هكذا قبل ان نموت حرقا نموت غرقا
اليأس يفصّل لأتباعه اكفانا عصرية
من قماش جميل قماش الاوهام
ابحروا متعلقين بأقدام الموت
طمعا بالحياة
لا يحملون حقائب فقط اجسادهم
في جيوبهم لا يحملون شيئا
هي اكفانهم وليس للكفن جيوب
ابحروا لمدن لا توجد الّا في رؤوسهم الحالمة
الحقيقة كان فيها الموت، حقيقة وواقع
ثم حكمة بإغماض اعين الموتى
حال توقف النبض
لابد الاّ يروا ماذا سيحدث بعد موتهم
فمن يغمض عين الغرقى البؤساء
الصمت العاطفي اكثر عنفا
كان ولائهما للحقيقة اولا هي لا تملكها
تدري ان كل شيء كان ممكنا
في وطن من فوق قبوره تُبرم صفقات الكبار
تحت يُغال المتحكمين بمصيره بموت السذج الصغار والبؤساء
كنا نريد وطنا نموت من اجله صار لنا وطن نموت على يديه
ننجو من طاغية
نستنجد دوما بمحتل
يستنجد بدوره بقطاع طرق التاريخ ويسلبهم الوطن
كان بلد المليون نخلة صار بلد المليون قتيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى