ثقافة وفنون

 خالد جعفر يكتب : أنا وجورج جورداق على شاطئ بيانكى

أكبر محنة يعيشها الإنسان أن يعيد شيئاً جميلا من الماضى لواقع حياته ، على أمل أن يعيش سعادته مرة أخرى ، سيعود ذلك عليه بأسوأ نتيجة ويستنفذ فيها كل طاقاته بتلك المقارنة التى تزيده عناء وقسوة ، ولن يمتحن الإنسان بشىء أقسى على نفسه من تلك الحيرة ، بين مايمليه عليه ولاؤه للماضي بتفاصيله ، وبين مايحمله شعوره لزمن يعيشه ولا ينتمى إليه

        سيبقى الصراع باق بين القديم والحديث قضية لايمكن الوقوف على حل رموزها ، تلك هى سنة الحياة .

        تملكنى هذا الشعور وأنا جالس مع نفسى أهيم مع خواطرى على شاطئ بيانكى ، أستمع إلى أغانى الزمن الجميل ، محاولا استرجاع تلك الذكريات المحفورة فى ذاكرتى . الأغانى القديمة عندى هى بمثابة دفتر أحوال حياتى وسجل توثيق لأروع اللحظات الجميلة ، فالغناء لايعد ترفا أو تسلية لوقت فراغ ، لكنه ثقافة ، ومعرفة ، ومدعاة لتحريك العقل والوجدان ، أتنقل بين أغانى الزمن الجميل وأستحضرتلك الأيام الخوالى فى زمن النقاء . أسرح فيها مع جمال الكلمة ، وروعة الموسيقى ، وعبقرية النغم الجميل .

   الشاعر الغنائي فى تلك الفترة كان مختلفاً ، كان يظل فى حالة صمت طويل ، يتوقف فيها عن الكلام ، وفجأة ينطلق عقله وقلبه معا ، ثم يترك العنان لقلمه يتولى نسج أروع صورة بالكلمات .

    أبهرتنى الكلمة قديما وأنا صغير عندما استمعت إلى قصيدة  (هذه ليلتى) للشاعر اللبنانى جورج جورداق ، هذا الطود العملاق بعطائه الثقافى وإبداعه الشعرى وبصوت أم كلثوم ولحن العبقرى محمد عبد الوهاب . يقول :

فادن منى وخذ إليك حنانى

ثم أغمض عينيك حتى ترانى

 ما هذا الجمال ؟! ما هذا الإبداع ؟! ماهذا التصوير الرائع لعبقرية الكلمة التى حولت البيت الشعرى إلى مشهد سينمائي مبهر

ثم ينتقل بنا فى متعة مشوقة ويقول :

 كم أذل الفراق منا لقاء

كل ليل إذا التقينا صباح

يالعظمة الوصف والكلمة التى تشبه فرشاة الرسام وهو يستعرض عبقريته وألوانه فى رسم أجمل لوحة ويحول لك الليل إلى صباح فى كل لقاء ، يفتح لهما آفاقا جديدة من الحب والأمل والحياة .

  ثم يستجدى جورج جورداق الغد والمستقبل ليجعله سابقاً للماضي فى سكرة الحب مع أشهر ثنائى فى شعر الخمريات ( أبو نواس والخيام ) فيقول :

 وفيك نطقى وهمسى . فيك صمتى

 وغدى في هواك يسبق أمسى

هل فى ليلتى خيال الندامى

والنواسى عانق الخياما

فى محاولة للتنبيه بفكرة الفناء العاجل، وتوقع الموت فى كل لحظة ، لذلك كانت دعوتهما ملحة للاستمتاع بملذات الحياة فى الساعات القصيرة التى يحياها الإنسان .

   أمام هذه اللوحة الفنية والرومانسية بكل أبعاد خيوطها . كيف لاتأسرنى جماليات هذا النص ، كما الغيوم التى أراها أمامى وقت الغروب فى السماء وأنا على الشاطئ تأسر حبات المطر فتهمى شتاتا يتنسم له ثغر الزنابق ، فترقص النسائم محتضنة أمواج البحر فى إيقاع جميل ..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الله عليك خالد جعفر الموهوب بالقدره علي التعبير بمشاعرنا عندما نسمع هذه الاعمال الفنيه البديعه . اعشق هذه الاغنيه بكل معانيها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى