كتاب وشعراء

مذكرات غراب ….. بقلم : محمد جمال الحميدي

#محمد_الحميدي
مذكرات غراب
اخبرني عن السواد الملتحف لصدرك،و عن النرجيسة التي تفوح من بين قصائدك..هل هي حقيقة أم أنك تحاول الهرب من ملامح خوفك بِارتداء جلباب حب الذات؟!
و عنفوان شبابك،و هياجان أحلامك ذات لحظة طموح..هل مات!هل اقتاد جثته المتعفنة نحو المقبرة أم ترك نفسه سبية للضباع تنهش آمالها!
و هذا الوطن،حين نبذتك شطآنه، و لم تعترف بك مرافيه. و حين نمت على الأمواج تصارع الغرق،و تهوى النجاة، و حيتان الضياع تؤجج شهوة النجاة من الموت في روحك.هل كنت تلعنه، تبصق على وجهك البذيئ حين استمات لأجله؟
——–
و حين قاربت الوصول بِطريقة لا شرعية لتجتاز السياج،و بدأت تشتم رائحة ترابه..هل كنت تشمها فعلاً،أم أنها الذاكرة خدعتك بِسراب رائحة يشبه رائحة وطنك؟
ها قد بدأ.
و طبول الحرب قد قُرِعت،و مآذن المساجد هُدِمت و كأنها تسجد لله عوضا عن من كان يصلي فيها،أو ربما تناشده السلام. لكن الأدخنة المتصاعدة من فوهات الحرب أغلقت أبواب السماء.
و ها قد بكيتَ و بكيتَ و بكيتَ..
نعم،الرجال يبكون كثيرًا؛ حين يتعلق الأمر في الوطن. يبكون في زوايا ضيقة لا يراها أحد، ربما في أيسر قفصهم الصدري،أو في إحدى الغرف السرية التي بنوها لهم في هامش إحدى الصفحات.أو ربما في القصائد الثورية. المهم أن الرجال يبكون، لكن حين تضيق بهم الأماكن ذرعًا،و تنكرهم أوطانهم و تباع أحلامهم سبايا على إحدى أرصفة اللجؤ.
——–
قُرعت طبول الحرب.. تلك الأقلام التي كانت تزين الجيوب،و الكراسات التي يحملها الأطفال إلى المدرسة،و ذلك العجوز و هو يبتسم في إحدى المقاهي بِكهولة عتيقة، و بِوقار.
و الأزقة،و تمتمات النساء على الأبواب. و مشاكسة الأطفال الشقية.
كلها ذهبت،تلاشت مع أول طلقة أخترقت مسامات السلام. تبخرت، صارت ذكرى، و ربما حلم عصيًا قد يأتي في المنام.
هي الحرب يا رفيق الحرب.
هي عدوة للسلام،تسلب منا الأحلام. و بابتسامة يفوح من بين ثغرها الموت كوباء بكتيري ينتشر عبر الابتسامة و الخوف و الهروب.الموت و لا سواه حقيقة.
هذا الوطن، المنهك،بلا أطراف ليأوي بين أحضانه من رحلوا.لو أن لديه أطراف لكان ألبسهم الأكفان و شيعهم إلى المقبرة.
و هؤلاء الراحلون،العابرون بين سراديب الموت،نحو اللحود الضيقة،الغادية أحلامهم في مهب الريح.إلى أين يذهبون!
هل هم يذهبون إلى الله،
إلى الملائكة الكرام لترتق لهم الأوردة المثقوبة ؟!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى