ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى رحيل هند رُستم

هى ‘‘ مارلين مونرو الشرق ‘‘ و ‘‘ قُطةُ السينما المُتّوحِشة ‘‘ و ‘‘ مَلِكةُ إغراء السينما المصرية ‘‘ الفنانة الكبيرة و القديرة ( ناريمان حسين مُراد رُستم ) الشهيرة بهند رستم تلك المُمّثلة صاحِبة المّدرسة الخاصِة و المُتمّيزة فى الإغراءِ و التى تُعد مِن أوائِلِ الفَناناتِ اللاتى اشْتَهّرنَ بِتقديمِ أدوارِ الإغراء دون إسفافٍ أو عَرْىٍ أو حتى خَدْشٍ لحياء المُشاهدين بألفاظٍ ساقِطة أو نابية ! مثلما يحدُث مِن بَعضِ نَجماتِ هذا الزمان اللائى يتباهينَ بتلك الوقاحة و يعتبرونها فناً !! ففى الوَقتِ الذى كان و مازال يُسيطر على الوَسَطَ الفنى نظرية ” اقلع أكتر تشتهر أكتر و أكتر ” ! حَرَصَتْ هِند رُستم بأن يَكونَ لها مّدرَسَةً خاصةً تَتّمَثلَ فى الإغراء بالإيحاءِ دون تَعَرى أو حتى إيحاءاتٍ بالتَعَرى ! و هو ماجَعَلَ النُقاد يُطلِقونَ عليها لَقَبَ مَلِكَة الإغراء و لكن هِند لم يَكُن يَعجبها مُطلَقاً هذا اللقب خاصةً فى سَنَواتِ عُمرِها الأخيرة بل كانت تُحبَ أن يُطلقَ عليها ” الفنانة الشامِلة التى آجادَت أدوار الإغراء ” كى لا يُقتَصَرَ تّقييم تاريخها الفَنى بأكمَلِهِ فقط على تلك الأدوار و الحقُ يُقال أن هِند قد شَكّلَتْ موهبتها تَمازُجاً بين الإغراءِ و الرُومانسية و الكوميديا ما جَعَلَها تُضحى نَجمَةً فى سَماءِ الإبداع حَتى أن الكاتِب اللبنانى ” جُبران خليل جُبران ” قال عنها ( هِند رُستُم هى لُغة الجَسَد حيثُ كلُ جُزءٍ مِن جَسَدِها نَجِدهُ يَحكى قِصة مُختلِفة لمُمّثِلة لم يَكُن لها مُنافسٌ فيما قَدَمّتْهُ ) .. فى 12 / 11 / 1929م و فى بَيتٍ صَغير فى حى مُحرم بِك بمُحافظة الأسْكندرية ولِدّتْ هند لأب و أم مِن أصولٍ شَركَسية يَعيشان حَياة مّستورة لتّكبر و تّكبر مَعها المَشاكل بين الزّوجين اللذانِ قَرَرَا الانفِصال لتَتوَلى الأم تّربية الفتاة و فجأة تَتَزّوجَ الآم بآخرِ و تأخُذ ابنتها إلى المَنصورة مع زَوجها الجَديد و تّبدأ مُعامَلَة الأم نَفسها تَتّغير فالقّسوة أصْبَحَتْ عُنوان الحَياة فى مَنزل الأم فتُقّرِرَ الفتاةِ الهَرَبَ و العَودة إلى الأسكندرية حَيثُ يَعيش الأب ” حَسن أفندى مُراد رُستُم ” ضابِط الشُرطةٍ الذى قَرّرَ أن يّهْتَمَ بِنجلَتِه و أن يُعّلِمَها تّعليماً كى يُغيظ به الأم ! فألحَقها بمّدرسة ” سان فانسان دى بول ” و هى مّدرسة فِرنسية مِن ذات المَدارِس التى يَتَعّلَمَ فيها أولاد الذَوات لتَتّعَلَمَ هِند مَع المواد الدِراسية التّفكير السَليم و التّحَرُر مِن القُيود التى عفا عليها الزَمَنَ فَهَرَعَتْ لتُشارِكَ فى الحَفلاتِ المّدْرسية بالرَقْصِ و التّمثيلِ و الغِناء و أحَبّتْ السينما حُباً جما لدرجة أنها أصبَحت ضَيفةً على مُعْظَمِ العُروضِ السينمائية لتُشاهِدَ المُمّثلين و تُراقِب أدائَهُم و تَحلم باليومِ الذى تُصبِحَ فيه نَجمةً مِثلهم ليّلْتَف حَولها المُعجبون و يطلُبون منها التّوقيع على اُوتوجراف و مِن كَثرة حُبِ هِند للسينما و الأضواء انْتّقَلَتْ إلى القاهِرة عام 1946م و قَرَرّتْ أن تّظهَرَ ككومبارس و لو فى دَورٍ صامِتٍ حَيثُ شارَكتْ فى 8 أفلام لم تّنْطِقَ فيهم بِكَلِمَةِ واحِدة !! بداية مِن رُكوبِها خَيلاً فى مّشْهدٍ مِن فيلم ” غَزَل البنات ” عِندما وَقَفَتْ خلف الفنانة ليلى مُراد لتُغنى ورائَها ” اتْمَخْطرى و اتمايلى يا خيل ” وصولاً لأول مّشْهَدٍ تَتّحَدَث فيه فى فيلم ” السِتات مايعرفوش يكدبوا ” الذى قام ببُطولته إسماعيل ياسين و شادية عندما قدّمَتْ دور الفتاة المَعتوهَة التى أجّرت اخواتها الرضيعات لـ ” نوح افندى ” أما البِداية الحَقيقية لهند رُستُم فى السينما فكانت عام 1947م عندما قادتها الصُدْفَة لمَكتب شَرِكة الأفلامِ المُتّحدة عام 1946م لتُشارِكَ فى فيلم ” أزهار و أشواك ” بِدورٍ صَغيرٍ مَع الفنان يحيى شاهين و عَدَدٍ مِن الفتيات الكومبارس المِصريات و الأجنبيات و اعتَقَدَ القائِمون على العَمَلِ أنها أوروبية بِسَبَبِ مَلامِحها حتى طلبوا مِن فتياتِ الكومبارس أن يّنْقَسِمْنّ إلى فريقين فريق الأوروبيات و فريق المِصريات فوقفت هِند بين المِصريات و لكنها اعتَرَضّتْ و تَمَرّدَتْ حين عَلِمَتْ أن الكومبارس الأوروبيات سَيَحْصُلنَ على أجرٍ أعلى مِن المِصريات فقالتْ بِكبرياء رَغَم صِغَرِ سِنها « ليه إحنا ولاد ناس و مِش جايين مِن الشارع و احنا أحلى مِنهم ليه ناخُد أجر أقل و ليه بتعاملونا اننا ولاد البّطة السودة و هُما ولاد البيضا ؟!! » فكان نَتيجة هذا التّمَرُد أن تَقَرّرّ مّنحها و زميلاتها ذات الأجر الذى تّحصُلَ عليه الأوروبيات و هو المّوقف الذى عَبرَ عَن مولد فنانَةٍ مُختَلِفةٍ جميلةٍ عَنيدة قويةٍ و مُعتزةٍ بنَفسِها لا تَقبلُ تنازُلاً أو إهانَةً حتى أطلق عليها بَطَلَ الفيلم الفنان ” يحيى شاهين ” اسم « عِند رُستُم » ( نسبة للعِند ) بدلاً من هِند رُستْم ليُعْجَبَ مُخرج الفيلم « حَسن رضا » بجراءتِها قبل جَمالها و اُنوثتها الطاغية و يُقَرِرَ أن يَتَزّوَجَها لتُنجِبَ منه فيما بعد أولى بناتها ” بَسَنْتْ ” و تبدأ بعدها رِحلة النُجوميةٍ و تّقديمِ أفلام البُطولات التى بَدَأتْ على يدِ المُخرج ” حَسن الإمام ” الذى قَدَمها فى عَددٍ مِن الأفلام التى لاقتْ نَجاحاً كَبيراً مِثل ” ابن حميدو” مع إسماعيل يس لتّنْطلِقَ بَعدها فى أفلامِ ” صِراع فى النيل ” و ” رجُل بلا قلب ” و ” لا أنام ” و” الخُروج مِن الجَنة ” و ” باب الحَديد ” و ” كلمة شَرف ” و ” اسماعيل يس فى مُسْتّشْفى المَجانين ” و ” الوَديعة ” و ” الحُب الصامِت ” و ” باب الحديد ” و ” الحب الخالد ” و ” شياطين الليل ” و ” ثلاث لُصوص ” و ” تُفاحة ادم ” و ” الزوج العازب ” و ” العَريس الثانى ” و ” الخُروج من الجنة ” و ” ملكة الليل ” و ” مُدرستى الحسناء ” و ” وكر الأشرار ” و ” الرّغبة و الضياع ” و ” الناس مَقامات ” و ” إعترافات زوجة ” و ” دلونى يا ناس ” و ” حَدَث ذات ليلة ” و ” عَجايب يا زمن ” و ” أنا و ابنتى و الحُب ” و ” عواطف ” و ” جواهر ” و ” على قد لِحافك ” و ” العقل زينة ” و ” بابا أمين ” و ” رّحمة مِن السَماء ” و ” بين السما و الأرض ” و ” بفكر فى اللى ناسينى ” و ” لوكاندة المُفاجأت ” و ” قبلنى فى الظلام ” و ” اللقاء الأخير ” و ” طريق السعادة ” و ” جحيم الغيرة ” و ” فطومة ” و ” شفيقة القبطية ” و ” الجبان و الحُب ” و” إشاعة حُب ” الذى ظهرت فيه كضيفة شرف و لكنها كانت مِحور الأحداث كُلها من خِلال دور الفنانة هند رُستم التى يتهافت عليها الرجال و” الحلوة عزيزة ” لتظهر موهبتها جلية فى فيلم ” شفيقة القبطية ” ليطلق عليها النُقاد بعد ذلك لقب ” مارلين مونرو الشرق ” و الغريب و العجيب أن هند و برغم إشتراكها فى كُل هذه الأعمال السينمائية لم تقُم بالتمثيل مُطلقاً على خشبة المسرح و لو حتى فى دور واحد ! .. يُذكر أن كانت هند سَبَبّاً فى إضْحاكِ الرئيس ‘‘ جَمال عبد الناصر ‘‘ عِندما حَضَرَ الأخير العَرْضْ الخاص لِفيلم ” رُد قلبى ” الذى قامَتْ فيه بدور ” الراقِصة كريمة ” و بعد انتِهاء العَرضْ وَقَفَ الفنانون ليُصافحوا الرئيس و طلبت مِنه الفنانة ” مَريم فخر الدين ” أن يَكتُبَ لها « إلى المُهذبة إنجى » فَضَحَكَتْ هِند و نَظَرَتْ للرئيس و قالت ” طيب أنا هتكتب لى ايه بقى ؟! ,, إلى قليلة الأدب كريمة و لا إيه بالضبط ؟!! ده أنا كُنت عامْلة دور رقاصة ” فَضَحَكَ الرئيس ضَحكة اسْتَمَرّتْ قُرابَة الـ 10 ثوانى و رَدّ عليها « إنتى بَقى مِش حاكتِبلك حاجة أبداً لإنك كُنتى حاتْتْسببى فى ضياعِ ” على ” مِن ” إنجى ” بَعد عِينه مازاغِت عليكى و اتدهول بغرامك » كما صّرَحَتْ نَجلتها بَسنتْ فى أحد الحوارات الصَحَفية مَعها « نالت أمى إعجاب الفنانة الكبيرة ” مَديحة يُسرى ” فاسْتَعانَتْ بها فى عَدَدٍ مِن الأفلام التى أنتجتها و مِنها عَواطف و اعترافات زوج و هو ما فَعَلَتَهُ الفنانة ” ماجدة ” و ” الفنان يحيى شاهين ” فكل الفنانين الذين كانوا يَنتجون وقتها تَحَمَسوا لوالدتى و استعانوا بها لأنها كانت مِثل الحصان و كانت عِلاقتها بِهم طَيبةٍ حتى أنها لم تَكُنْ تَتّحَدَثَ فى النواحى المادية و كان هُناك شياكَةُ فى المُعاملة » و كما يقولون فإن لكلِ بداية نهاية فَبَعْدَ النَجاحاتِ الكبيرة التى حّقَقتها هِند فى السينما و إشاداتِ النُقاد عنها و الجوائز التى حَصُلتْ عليها التى تَمَثَلّتْ فى ” شهادة تّقديرٍ عَن فيلم « نِساء فى حياتى » مِن مَهرجانِ فينسيا عام 1957م و ” جائِزة النُقاد عَن فيلم « الجَبان و الحُب » كما تَمَ تكريمَها مِن جَمعية العالَم العَربى فى باريس لتّخْتَتِم حياتها الفنية بفيلم ” حَياتى عَذاب ” الذى قَدَمّتْهُ عام 1979م مع الفنان ‘‘ عادل أدهم ‘‘ و ‘‘ عُمر الحَريرى ‘‘ و لتّعتَزِلَ بَعده الفن فى سِنٍ مُبكرة حَيثُ لم يكن عُمرها آن ذاك قد تَجاوزَ الـ 50 عاماً ! و لتَدْخُلَ بعد ذلك فى عُزلةٍ تامةٍ رَفَضّتْ خِلالها الظُهور فى أى مُناسباتٍ اجْتماعيةٍ أو فنيةٍ أو عامةٍ عَقِبَ وفاةِ زَوجها الثانى ” الدكتور مُحمد فياض ” لتّرحَلَ فى 8 / 8 / 2011م عَنْ عُمرٍ يُناهِز الـ 82 عاماً إثر إصابتها بأزمةٍ قلبية حادةٍ تاركةً خلفها رَصيداً كبيراً و تاريخاً طَويلاً مِن الأعمال الفنية وَصَلَتْ إلى 70 فيلماً سينمائياً .. يُذكر أخيرّاً أن روّت هند رستم فى حوارٍ لها دار مَع الأديبِ الكَبير عَباس العقاد فى مجلة آخر ساعة أنها ذُهِلَتْ حينما اختارها العقاد لإجراء حوار معها حيثُ قالت ” حسيت إنى رايحه أقابل أحد المُلوك العِظام فالأستاذ العَقاد هَرم مِصر الرابع ” حيثُ كان عِند هند توجس مِن أن العَقاد عدواً للمرأة و سَوف يكون الحوار مَعَهُ مليئاً بالتوترات لكن استقباله الحار لها أمام مَنزله بقوله ” أنتِ نجمتى المفضلة ” أذهب مخاوفها و قال العقاد ” الحَقيقة دائماً أروع مِن الخَيال ,, فأنا اُهنئك بالموهبة الطبيعية و الوجه المُعبِر ,, فأنتِ فى رأيى لست ملكة الإغراء و لكنك ملكة التعبير ” .. رَحِمَ الله هِند رُستُم و تجاوزَ عن سَيئاتها و أسْكَنَها فسيح جَناته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى