ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى رحيل نور الشريف

هو ‘‘ نَجمُ الأجيال ‘‘ و ‘‘ أيقونةُ الإلتزام ‘‘ و ‘‘ الفنانُ الثائر ‘‘ و ‘‘ العُروبى العَتيد ‘‘ و ‘‘ صائدُ الجوائز ‘‘ الفنان الكبير و القَدير ( محمد جابر محمد عبد الله ) الشَهير بنور الشريف ذلك المُمثل الجَميل الذى لم يكُن مُجرد مِشَّخصاتى أو فنانِِ عابرِِ فى مَسيرة السينما المِصرية الطويلة و لكنه كان دوماً نُموذجاً رائعاً لما يُطلَقُ عليه « فنان السينما المُجْتَهِد » الذى يُمارِس التَّمثيل و الإنتاج و الإخراج و الذى يَّمتلك رأياً و رؤية عن مُشكلاتِ الصِناعَة و ماضيها و حاضِرها و مُستَّقبلها و الذى يَعْرِفُ كيفَ يَقرأ و يُحلِّل الأفلام القَديمة و الحَديثة فقد كان فناناً حَقيقياً أصْقلت الدِراسةَ و الخِبرةَ مَوهبتَه و حافظتا له على موقعٍ مُتميِّز مُنذ النِصف الثانى مِن ستينيات القرن العِشرين حتى رحيله و الحقُ يُقال أن نور قد ظلَ يلتزم مِن خِلالِ أعمالِه الفَنية المُتنوعِة برؤيته الوَطنية و العُروبية و الإنسانية العامة التى تَّحترم الفن و الإنسان فى كلِ مكانٍ حتى آخر يومٍ فى عُمْرِه و على الرغمِ أن ” التواضُع ” هى الصِفة التى عُرِفَ بها نور فى الوَسَطَ الفنى ما جَعَلَهُ مَّحبوباً و بَعيداً عَن الخِلافات الفَنية و رُبما تَّختلفُ التَّقييمات النَّقدية و المَّنهَجية فيما يَخصُ نور الشَريف و حُضورِه الفَنى تَماماً كما يَّختلِف المَنهجيون حَوَلَ كَثيرِِ مِن التَفاصيل و العَناوين و لكن يَظل القائِم دون اختلافٍ أو خِلافِِ و ما لن يَستطيع أىٌ مِن المُختلفين دَفْعَهِ أو التَّشكيك فيه هو أن نور الشريف كان أحد أهم الأسماءِ الحاضرِة على الساحَة الفَنية و الماثِلة فى أذهانِ و وعى الجُمهور و التى حَقَّقَتْ سيرة و مَسيرة مُضيئة و ساهَمَتْ فى صياغة وجه و خارطة الفَن المِصرى و طَبَعَتْ بَصماتٍ لامِعة و زاهية فى ذاكرة و أرشيف السينما المِصرية و مُعجمِ تمثيلها الحى و الثرى .. ولد نور فى 28 / 4 / 1946م بمركز مَغاغة فى قَرية طَنبدى بمُحافَظة المِنيا بينما كانت طُفولتة فى حَى السيدة زينب بمُحافظة القاهِرة و التى انتقل إليها مع اُسرته و هو دون الخامِسة مِن عُمره و ظل بها إلى أن حصُل على دبلوم المَّعهد العالى للفُنون المَّسرحية بتقدير إمتياز و كان الأول على دُفعتِه عام 1967م و كان الشريف قد بدأ يُمارِس هواية التَمثيل مُنذ أن كان صَغيراً فى المَّدرسة حيث إنضم إلى فريق التَمثيل بها كما انضَّمَ أيضاً لنادى الزمالك كلاعبٌ فى أشبالِ كُرة القَدم لكنهُ لم يُكمِلْ مِشواره مع كرة القَدَمِ بسَبَبِ حُبهِ و عِشقهِ للتمثيل الذى إتجه إليه عن طريق الفنان المَّسرحى العِملاق ” سَعد أردش ” الذى رَشَحَهُ للعَمَلِ مَعَهُ فأسند إليه دوراً صَغيراً فى مَّسرحية ” الشوارع الخلفية ” و ذلك قبل أن يختارَه المُخرج ” كمال عيد ” ليُمَثِلَ فى مَّسْرحية ” روميو و جولييت ” و أثناء بُروفات المَّسْرحية تَعَرَّفَ على الفنان ” عادل إمام ” الذى قَدَّمَهُ بدوره للمُخرج ” حَسن الإمام ” ليُشرِكه فى فيلمٍ قَصر الشوق ليَحصُل عن دوره على شَهاده تقدير فكانت أول جائزة يَحصُل عليها فى حَياته الفَنية ثم توالت الأعمالِ بَعدها بـ ” سونيا و المجنون ” و ” شِلة الأنس ” و ” زوجتى و الكلب ” و ” الكرنك ” و ” صابرين ” و ” عندما يبكى الرجال ” و ” قِطة على نار ” و ” الدُموع الساخنة ” و ” أهل القِمة ” و ” دائرة الإنتقام ” و ” لا وقتَ للدُموع ” و ” تَوحيدة ” و ” الزَمَنَ و الكِلاب ” و ” بئر الخيانة ” و ” مَع سبق الإصرار ” و ” فُتوات بولاق ” و ” إعدام طالب ثانوى ” و ” الرَقص مَع الشيطان ” و ” كروانة ” و ” الهُروب إلى القِمة ” و ” الصَّرخة ” و ” عَنبر المَوت ” و ” الفتى الشِرير ” و ” قلب الليل ” و ” 131 أشغال ” و ” ليلة البيبى دول ” و ” كَتيبة الإعدام ” و ” عُيون الصَقر ” و ” قِطة على نار ” و ” السَكاكينى ” و ” ناجى العلى ” و ” تحدى الأقوياء ” و ” المُنْحَرفون ” و ” ليل و خونة ” و ” يُمهل و لا يُهمل ” و ” حبيبى دائماً ” و ” الحُب وحده لا يكفى ” و ” العار ” و ” دم الغزال ” و فى عام 1999م قدم فيلم العاشِقان الذى قام فيه بِتَّجرُبةِ الإخراجِ لأول مَّرة و لا أحد منا ينسى دوره فى فيلم ” الحرافيش ” عاشور الناجى ” و جُملته الشهيره للحرافيش التى لازالتْ عالقةً فى أذهانِ المُشاهِد و لازالت أيضاً تُعَّبِر عَن واقِعنا الذى نَّحيا فيه حتى الأن ! ( فُتوة إيه اللى بتغنوا له و ترقُصوا له ده ؟ ليه دايما بتدوروا على عَربجى يسوقكم هو إنتو بهايم تعملوا الصَنم مِن دول و تعبدوه !؟ كَفَرَهْ إنتم ؟ هوه إنتم تِعملوا الفَرعون و بعد مايتفرعن تِفكروا تشيلوه و تْجيبوا واحد غيره عَشان تِفَّرعَنوه ؟ ) كما تألق نور أيضاً فى التليفزيون المِصرى مِن خِلال مُسَّلسَلاتِه الأشهر ” لن أعيش فى جلباب أبى ” و ” الرجل الأخر ” و ” عائلة الحاج متولى ” و ” الدالى ” و ” حَضرة المُتهم أبى ” و ” الثعلب ” و ” الرجُل الآخر ” و ” العطار و السبع بنات ” و ” الثمن ” و ” أديب ” و ” عيش أيامك ” كما قام بعدة مُسلسلات تاريخية أهمها هارون الرشيد و عُمر بن عبد العزيز كما قدم مُسَّلسْلاً إذاعياً بعُنوان ” الفاتح صلاح الدين ” أما أشهر المَّسْرحيات التى قدَّمها على خَشَبة المسرح فكانت ” القُدس فى يوم آخر ” و ” ياغولة عينك حمرا ” و ” الأميرة و الصُعلوك ” و ” كُنت فين ياعلى ” و ” يامْسافر وحدك “.. يُذكر أن حصُل نور على العَديد من الجوائز و شَهادات التَّقدير مِنها ” جائزة أحْسن مُمثل ” عن دوره فى فيلم ليله ساخنة و على جائزه مَهرجان نيودلهى عَن فيلم سواق الأتوبيس .. يُذكر كذلك أن أصعب المواقف التى تعرّض لها نور كان أثناء تَمثيله فى فيلم الكرنك و الذى يُعد واحداً مِن أبرزِ الأفلامِ فى تاريخِه السينمائى و الذى جَسَّدَ فيه دور ” إسماعيل الشيخ ” فعندما كان يُصور أحد مَشاهِد الفيلم بَلّغَهُ خَبَرَ وفاة والدتِه فَذَهَبَ ليَدفنها و عادَ ليُكمِل التَّصوير ! و كان فى ذاتِ اليَومِ سيتم تصوير لمَّشْهد شراء دِبَل الخُطوبة له و لسُعاد حُسنى ! و كان مَّطلوباً منه أن يبدو فى مُنتهى السَعادة بينما هو فى مُنتهى الحُزن ! .. جديرٌ بالذكر أن قطيعة تاريخية كانت قد حدثت بين نور الشريف و الفنانة نادية الجندى استَمرت حتى وفاة الشريف عام 2015م و قد بدأت عام 1980م بسببِ فيلم الباطنية و الذى كان مِن المُفتَرضَ أن يُشارك فيه نور بشَّخصية ” بُرعى ” و بالفعل تم عَرْضْ الدور على الشريف و قرأ السيناريو و كان سَعيداً به كونه تَّجرُبة جديدة حتى أنه بدأ بتجهيز نفسَه للدور و اشترى المَلابس التى سَتَحتاجَها شَّخصيته الجَديدة و لكن نادية الجندى تراجَعَّتْ فى آخر لحْظة و أسندت الدور لمَحمود ياسين ! بِحجة أن وجه نور الشَريف طُفولى ! و لن يَّستَطيع أن يؤدى شَّخصية برعى و قرر نور بعد ذلك المَّوقف السَخيف ألا يتَعامَل مُطلقّاً مع نادية أو زوجها و بالفِعل فقد رَفَضَ جَميعَ الأدوار التى عَرضاها عليه لاحِقاً رافِضاً معها كذلك أى وساطة فنان أو فنانة .. يُذكر أيضاً أن تَزَّوجَ نور مِن الفنانة بوسى و أنجب منها إبنتيه ‘‘ مى ‘‘ و ‘‘ سارة ‘‘ و ظل يُمتعنا بأدوارة المُتميزة و أعماله الرائعة إلى أن جاءت لحْظة النِهاية ليُسدل السَتار على حَياته فى 11 / 8 / 2015م عَقِبَ صِراعِِ طويل مَع مَرض سَرطانِ الرئة اللعين عَنِ عُمر يُناهِز الـ 69 عام ليَّرحَلَ جَسَداً و يبقى روحاً و فنّاً بأعماله الجَميلة إلى يومِ يُبعثون و ذلك بعد أن مَّرَ بِفترةِِ صَعبة أثناء صِراعه مَع هذا المَرَضُ اللعين و يُذكر أن بوسى قَرَرَتْ إخفاءِ حَقيقة مَرَضِه عَنه حتى وافته المَنية حَيثُ أخْبَرَتهْ أنه مُصاب بمُجرد التهابٍ فى الرِئة و يذهب لتَّلقى العَلاجِ و ذلك بعدما خَشِيَّتْ بوسى و اُسرة نور الشَريف عليه مِن الإصابة بالاكتئِاب و ان تَزداد حالتَهُ النَفسية سوءً و لا يَستجيب للعِلاج فَقَرَّرَوا إخفاء حَقيقة مَرَضِه عَنه ظنناً مِنه أنه سَيَّسْتجيب للعِلاج و يًشفى أيضاً فى حال تحسُن حالته النفسية مِثلما فعل فى المَّرة السابقة حيثُ كان نور الشريف فى وقتٍ سابق لمَرضه بسَرطان الرئة قد اُصيبَ بِتَّجَمُع ماء حَولَ الرئة و بالفِعل شُفِىَ مِنه بالعِلاج .. يُذكر أخيراً أن ذكرت بوسى فى حوارٍ لها مَع الإعلامية رَغدة شَّلهوب عَقِبَ الهُجوم عليها و على زوجها بِسَبَبَ فيلم ( ناجى العلى ) ” أنا و نور مانِعرفش نِتْنفس غير فى مصر ,, نحن ظُلمنا كثيراً بسبب الفيلم و كان نور مُشاركِاً فى الإنتاج و دَفَعَ مَبالغ مالية كَبيرة لتَّقديم فيلم حِلو و كان مِن المُقَرر أن يَكون فيلم افتِتِاح مَهرجان القاهرة السينمائى الدولى و وجد أن كل مَجهوده أصْبَحَ مأخوذاً ضِده و وَصَلَ الأمر إلى حَدِ التَّشكيكِ فى وَطنيته ! ” و عن الحالة النفسية لنور أثناء الأزمة قالت بوسى ” نور كان عاشق لمِصر و لم يُفكِر إطلاقاً فى السَفَرَ خارِجها فهو عَنيداً جداً و كان يرى أنه طالما وطنياً فعليه أن يقول كُل ما يُريده داخل بلاده ” و قد ذكر الفنان الراحل مَحمود عبد العَزيز أن نور قد اتَصَلَ به ذاتَ مَّرة ليُبلغَهُ أنه يَسْتَحِقَ جائزة أفضل مُمَّثل عَن دوره الاستثنائى فى فيلم الكيت كات مُقارنة باجتهاد نور فى دور الأخرس فى فيلم ” الصَرخة ” و قال له بالحَرفِ الواحد ” إنت كُنت هايل يا محمود و مثلتْ دور المُعاق أحسن منى مِليون مَّرة و لجنة مَهرجان القاهرة اتصلت بى و رشحتنى لجايزة أحسن مُمثل بس أنا رديت عليهم و قولتلهم إنك أولى بيها منى و هُما حايتصلوا بيك دلوقتى و حايبلَغوك ” و ما لا يَعرفَهُ الكثير مِن الجُمهور أن نور الشريف هو مَن رَشَّحَ الفنان مَحمود ياسين للتكريم بدلًا مِنه فى دورة جَمعية الفيلم و قال لمَن اتصل به ” محمود أولى منى بالتكريم ” و هو أيضاً مَن مَنَحَ فُرصة الإخراج لأسماءٍ جَديدة هامة مِثل ” مُحمد خان ” و ” سَمير سيف ” حيثُ كان خان سينتج فيلم ضَّربة شَمسْ مِن تَّحويشة العُمر و لكن نور تَحَمَّلَ مُخاطَرة الإنتاج بدلاً مِنه و قال له ( و الكلام لخان ) ” الفيلم لو خِسر أنا حاخْسر بس مِش حافلِس إنما إنت حاتفلِس و حاتبقى ع الحَديدة و أنا مارضاش لك بكدة أبداً ” .. رَحِمَ الله نور الشريف و تَجاوزَ عن سيئاته و أسْكَنه فَسيح جَناتِهِ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى