كتاب وشعراء

الرؤية السردية في رواية منعرجات ضيقة للكاتبة المغربية أمنة برواضي قراءة الناقد المغربي سعيد محتال ( الجزء الثاني )

الرؤية السردية في رواية منعرجات ضيقة
للكاتبة المغربية
أمنة برواضي
قراءة الناقد المغربي
سعيد محتال
( الجزء الثاني )

2 – الشخصيات العميقة في رواية منعرجات ضيقة:

الشخصيات العميقة في الرواية هي تلك الشخصيات التي لديها وظائف متعددة من الخصائص والافعال داخل النص الأدبي . هذه الشخصيات لا تكون سطحية أو أحادية البعد، بل لديها خلفية مركبة وأبعاد متعددة تظهر تدريجيًا للقارئ خلال تطور الرواية.

بعض سمات الشخصية العميقة :
– خلفية غنية وذات مؤثرات متعددة (نفسية، اجتماعية، تاريخية، إلخ).
– خلفية سياسية أو فكرية جذابة لها تأثير في الغير،
– تطور وتغير في السلوك والأفكار والمشاعر على مدار الرواية
– صراع داخلي وتناقضات شخصية،
– ردود فعل متعددة الأبعاد تجاه الأحداث والشخصيات الثانوية،
– عمق في التفكير والتحليل والدافع الداخلي،

هذه السمات وغيرها قد تساعد في إنشاء شخصيات غنية ومعقدة تتفاعل مع القارئ بطريقة أعمق من الشخصيات السطحية. فهي تلقي الضوء على الجوانب المختلفة للشخصية وتجعلها أكثر واقعية وإنسانية.

وهناك عدة فوائد وقيم تنبع من الشخصيات الروائية العميقة:

1. الواقعية والإنسانية: الشخصيات العميقة تبدو أكثر واقعية وإنسانية للقارئ، مما يجذب القراء إلى الرواية، ويثير تعاطفهم مع شخصياتها بكل تفاصيلها وتناقضاتها، مما يجعل تجربة القراءة أكثر إثارة وإشباعًا.

2. التطور والنمو : الشخصيات العميقة تتيح للكاتب إمكانية استكشاف وتطوير شخصياته على مدار الرواية. كما يسمح بالمزيد من التنقيب في الدوافع والصراعات الداخلية وطرح الأسئلة المعقدة حولها منا يزيد من نمو الأحداث. ويجعل الشخصيلت أكثر ثراءً وإثارة للاهتمام.

3. التأثير العاطفي والإنساني: الشخصيات العميقة أكثر قدرة على إثارة المشاعر والعواطف لدى القارئ. تتيح له مساحة للبحث والكشف عن الظروف الاجتماعية والنفسية للشخصيات، ومنح الرواية بعدًا فكريًا وفلسفيًا أعمق.

بشكل عام، الشخصيات العميقة تساهم في جعل الرواية أكثر إقناعًا وواقعية وإنسانية وذات تأثير عاطفي وفكري أعمق. هذه الفوائد تعزز تجربة القارئ وتجعل الرواية أكثر ثراءً وقيمة أدبية.

كل هذا أعطى لرواية منعرجات ضيقة طابع الانسجام والتجانس بين الشخصيات المتعددة ذات الطابع الفكري العميق، شخصيات متناسقة ومتوافقة مع بعضها البعض. حتى تصرفات وأفعال الشخصيات متناسقة مع طبائعها الشخصية وخلفياتها الاجتماعية والثقافية، تتصرف وفق سلوكات شخصية حقيقية، كل هذا ساهم في بناء الأحداث وتسلسلها في تقدم الحبكة وتطور أفعالها.
بل وجدنا :
– توالد شخصيات بفعل نمو القصة كما هو الشأن بالنسبة لابن خالة منى الذي افترضته شخصية ليلى الحالمة بمستقبل زاهر ، ومتشبتة بتجاوز عقبات الأحداث القاسية التي مرت بها اسرتها بعد وفاة والدها.
– التأثير على التطور الشخصي للشخصيات:
دور منى الريادي الذي ساهمت في الدفع بالاحداث إلى الامام، بحكم تجاربها وتواجدها بين أفراد أسرة مثقفة، ساهمت إلى جانب العائلة في تطور وتغير شخصية ليلى على مر الأحداث، وهذا ما منح الرواية عمقا جعل جل شخصياتها تبدو أكثر تطورا وإثارة للاهتمام. وجعلها شخصيات عميقة في كل أبعادها النفسية والاجتماعية.
* ليلى : يمكن اعتبارها شكليا الشخصية الرئيسية في القصة، تمثل رمزا للبراءة والخير. تعاني من ظروف قاسية وتتحمل العديد من المحن في رحلتها للبحث عن السعادة والعدالة. وكل الشخصيات الرئيسية تفاعلت مع قصتها وساندتها للخروج من الوضع السيء..
* السعدية أم ليلى : امرأة قوية وشجاعة اعتنت بابنتيها رغم الظروف القاسية التي مرت بها بعد وفاة زوجها، وضحت لأجلهما. تجسد الحنان والرحمة والقدرة على الثبات في الرواية.
* كريمة : شخصية مثقفة محبطة بسبب الحالة التي أصبح عليها ابنها حمزة الذي أعلن التمرد بداية على بعض قيم الأسرة بعد هجرته الى الديار الفرنسية لمتابعة الدراسة، تصريحه بعلاقته مع صديقته الفرنسية سيلين عرض والدته كريمة إلى وعكة صحية ليختفي دورها في الرواية، وجعل غالبية الوقائع التي تدور حولها مرتبطة بالتذكر والاسترجاع، إما عبارة عن فلاش باك او انتظار لمعرفة مصير ابنها مع الفرنسية التي تعلق بها كثيرا.

*منى : ابنة كريمة طالبة مثقفة وتعرف كيف تنمي شخصيتها بكل اطمئنان ، ساهمت في فك العزلة عن ليلى التي كانت تمر بها، كما ساعدتها في الخروج من دائرة التقوقع حول الذات وتقودها الى وضعية لم تكن تحلم بها ليلى.
* زوج كريمة : شخصية منجدبة للعمل بحكم طبيعة وظيفته ( سلك القضاء )، شخصية رزينة متفهمة لتقلبات الحياة، ساهمت في الحفاظ على تماسك الأسرة ، وعدم التسرع في رد الفعل تجاه الحوادث التي مرت بها الأسرة ، كما أبدى استعداده لمساندة ليلى في محنتها وفي مساعدتها لتجاوز عتبة الأمية إلى جانب ابنته منى.
* حمزة : شخصية متمردة مندفعة، تحاول إعطاء الانطباع العام الذي يمر العديد من الشباب المتأثر بالقيم الحضارية الغربية دون الوعي بخطورة ذلك على حياتهم الشخصية والأسرية ( الوعكة الصحية التي كانت تؤدي بهلاك والدته)، وقد حاولت الكاتبة بحنكتها المعهودة الخروج من مأزق هاته السلوكات غير المرغوبة بالاستعانة ببعص الشخصيات الثانوية ( أستاذ حمزة صاحب الخبرة والتجربة الكبيرة بالديار الفرنسية) من إظهار الحقيقة التي كان يجهلها كريم ، بعدما اكتشف الانحرافات السلوكية لصديقتة سيلين الفرنسية المتشبعة بالقيم الغربية والرغبة في الاستمتاع بملذات الحياة دون الأخذ بعين الاعتبار دور احترام مشاعر الناس..
وهناك مجموعة من الشخصيات الرئيسية المكملة جد محدود نشاطها وكلها تدور في فلك الاسرتين ، كعامل مساعد، ولم يكن لها اي دور فاعل في الأحداث، إلى جانب :
الشخصيات الثانوية ( جارة السعدية – صديقة كريمة …)
الشخصيات المعارضة (عائلة السعدية..)
وقد اقتصرنا فقط الشخصيات الرئيسية الفاعلة في الأحداث والتي كان دور كبير في مجرياتها لنترك الباقي لكل مطلع على الرواية …

لكن ماهي الرسائل التي تود الكاتبة تمريرها من خلال كل هذه الشخصيات الرئيسية العميقة!؟.

أهم شيء يمكن التنبه اليه أن كل هذه الشخصيات لم تأت من العدم ، بل لها وجود حقيقي في حياتنا اليومية ونشعر كأنها قريبة جدا منا ، لها دور معين ولها وظيفة معينة، وكل منها لها ثقافة معينة، ولها تصور خاص للحياة، مع أنها لا تخرج عن النمطية الشخصية المعهودة باستثناء بعد الممارسات الذاتية التي سلكتها شخصيات قليلة للظهور بمظهر الحركية والدينامية كما هي شخصية منى المثقفة الواعية بمتغيرات الحياة ، والتي تسعى جاهدة للتأثير في محيطها وفي كل من حولها كما فعلت مع ليلى، جعلت من هذه الأخيرة تخوض رحلة جديدة من حيث المشاعر والتفكير في المستقبل..
شخصيات تكابد وتتصارع من أجل الحياة وإثبات الذات، والرغبة في الاستقلالية، والبحث عن حياة افضل، شخصيات في صراع دائم مع منعرجات الحياة الضيقة، والتي تتطلب نوعا من التفاني للخروج منها بسلام.

فمن خلال هذا التحليل الموجز والمختصر للشخصيات الرئيسية في هذا العمل، يمكن استنتاج العديد من القضايا التي تود التطرق إليها الكاتبة أمينة برواضي بصمت وصبر:

– قوة الإرادة والنضال من أجل تحقيق الأهداف رغم كل التحديات والعقبات التي واجهت الشخصيات. وهذا ما أظهرته الكاتبة من خلال حليمة وابنتها ليلى اللتين تغلبتا على الصعاب من خلال قوة عزيمتهما وصبرهما .

– أهمية الترابط الاجتماعي والتعاضد: أبرزت الكاتبة من خلال منى واسرتها كيف تساعد علاقات التكافل والدعم للنهوض بالشخصيات المحتاجة لتجاوز التحديات التي تواجههم.

– ضرورة التسامح وقبول الرأي الآخر : من شأنه كسر الحواجز والفروقات بين الشخصيات من حيث الخلفيات الثقافية والاجتماعية ( أسرة كريمة مع ابنها المهاجر وكيف يمكن للتفاهم المتبادل أن يُؤثر إيجابا ، كما أبان حسن تصرفها مع الخادمة الجديدة ليلى التي أصبحت فردا من العائلة من التفكير في مستقبل افضل وأجمل .

عموما، استطاعت الكاتبة من خلال هذه الشخصيات المحدودة بعث رسائل هامة حول دور القيم الإنسانية في تماسك الاسر، مع ضرورة التعاون والتسامح للتغلب على التحديات التي تواجه الأسرة الصغيرة والكبيرة للعيش بسلام .
سعيد محتال
( يتبع …/…)
@à la une

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى