كتاب وشعراء

عين على الحياة والوعي الجمعي من منظور دائرة و نقطة و قيثارة في القصة القصيرة “قيثارة عاهرة “للكاتب والشاعر والناقد و المترجم العراقي د. مسلم الطعان ……. من إعداد الناقد السوري أحمد إسماعيل

عين

على الحياة و الوعي الجمعي من منظور دائرة و نقطة و قيثارة في القصة القصيرة قيثارة عاهرة للكاتب والشاعر والناقد و المترجم د. Muslim Al-ta’an

قيثارةٌ عاهرة…!

أولا النص

قصة قصيرة

بقلم: مسلم الطعان

 

– والآن جمهورنا الكريم، دعونا نفتتح أمسيتنا تلك التي طال انتظارها بقصيدة: ( بانتومايم) التي يلقيها على مسامعكم الشاعر الضيف، شاعرنا الغريب.

قال عرّيف الحفل ذلك ونزل من خشبة المسرح وسط عاصفة من التصفيق والتهليل والترحيب بشاعر البانتومايم رغم أنَّ تلك الكلمة تبدو غريبةً على الجميع. إرتقى الشاعر منصّة الأمسية، وكان يمشي بخطىً إيقاعيّةٍ مموّسقةٍ وكأنَّه يمّثل دوراً درامياً في مسرحية نفد صبر الجمهور بانتظارها.

شاعر غريب الأطوار ، كما يبدو من هندامه وشعر رأسه الأشعث ولحيته الكثّة.لم يعرفه ولم يسمع به أي أحد من جمهور الحاضرين. تمتمَ مع نفسه بكلماتٍ لم يسمعها الجمهور، ولكن كانت تغلب على حركاتهِ لغة الإشارة. رسمَ دائرةً في الهواء وأشارَ بأصبعهِ إلى داخل الدائرة وكأنّه يضع نقطةً في داخل مركز الدائرة التي أعاد رسمها في الهواء ثانيةً وثالثة. قال أحدهم متهكماً:

-هذا شاعرٌ أخرس جاء ليلقي على مسامعِنا قصيدته العصماء، عفواً أقصد قصيدته الخرساء. لم يتبقَ لنا الا الخرسان ليسمعونا بما تنطق به قصائدهم.

وقالَ رجلٌ آخر ظهرت على سحنته علامات الإمتعاض:

– هزلت والله. ما هذا الرجل البائس؟ هل جلبتم لنا سقط المتاع ليعطينا محاضرة بدروس الجنون؟! جئنا لنسمع شعراً لا

لنبصرَ حركاتٍ بهلوانية او لغةٍ عاطلة تحتاج إلى من يفّك طلاسم لغة الإشارة كما يفعلون في نشرة الأخبار.

وقالَ رجلٌ ثالث يبدو بأنّه يرتدي جلبابَ الحكمةِ منذُ أمدٍ بعيد:

– تلك يا صديقي فلسفة خاصة بالشعراء المجانين، ولكن لا بأس، فالكل مشترك بلعبة الجنون تلك. ركّز على حركات الرجل وفكر فيما يرمي إليه. ربما تتعلم منه حركةً أو إيماءَةً تفيدُك في موقفٍ حرجٍ ذات يوم.

نظر الرجل الأول للرجل الثالث بازدراء دون أن ينبسَ ببنت شفة.حدث لغط وهرج ومرج في القاعة، والشاعر كان يواصل عرض البانتومايم جيئةً وذهاباً غير آبهٍ بتعالي أصوات الرفض والاستنكار المنطلقة من هنا وهناك. أعادَ الشاعر الغريب حركة رسم دائرته الهوائية ملتفتاً للجمهور وواضعاً نقطته الهلامية بقلم سبابته، وكأنّه يضع تلك النقطة في عين كل واحد من الحاضرين، بعد ذلك توقفَ لبرهة ثم جعل يده اليسرى تبدو كجسدِ قيثارة، وأخذَ يعزف عليها بيده اليمنى، مع حركاتٍ حسّية بجسده المندفع تارةً للأمام وتارة أخرى للخلف وكأنّه يمارس الجنس على عجلةٍ من أمره، ثم نزلَ من درجات خشبة المسرح الصغير وهو مستمر بأدائه الغريب الذي أثارَ حفيظة الجمهور فتصاعدت حدّة نبرات الإستهجان، وتعالت أصوات الهرج والمرج. مرَّ وسط جمهور الحاضرين، وهو يرقص مؤديَّاً ذات الحركات التي قدَّمها قبل قليل، وبعد ذلك غادر القاعة مغلقاً الباب من وراءه بقوّة. قال أحد الحاضرين بغضب:

– أينَ عرّيف الحفل الذي خدعنا جميعا وقدم لنا هذا الشاذ المعتوه؟! يا للعنة…! خسرنا الوقت والنقود التي جمعناها بحجة التبرّع لجمعية خيرية. فتشوا عنه هو وصديقه الشاذ، هذا الذي يبدو بأنَّه يحرّض الناس على فاحشة الزواج المثليّ.

إلتفت الرجلان الممتعضان في بداية الأمسية للرجل الذي يرتدي جلبابَ الحكمة وقالا بصوتٍ واحد:

-امسكوا بهذا الرجل الذي يَدّعيّ بأنه يعرف كل شيئ ويدافع عن فلسفته المثلية، اقبضوا عليه فهو شريك له مع عرّيف الحفل الهارب بتلك الجريمة النكراء.

تدافعَ الجمهور الغاضب نحو الرجل الحكيم، مسكوه ورفعوه للأعلى. قالَ أحدُهم:

– إصعدوا به إلى خشبة المسرح، وحاكموه هناك، وإنْ لم يعترفْ بجريمته أنزلوا به قصاصَ الجمهور العادل.

صَعدَ الحاضرون بالرجل الحكيم فوق خشبة المسرح وسط هتافات الهرج والمرج. قال الرجل الحكيم:

– أنزلوني وسأشرح لكم ما التبس عليكم من حركات الشاعر الغريب. أعطوني فرصة لكي أوضّح لكم ما فهمته من شفرات نص البانتومايم الأدائيّ الذي قدمه الشاعر الغريب الأطوار.

قال رجل آخر:

– دعوه ينزل من على أكتافكم، ولنستمع له كيف يقدم لنا تبريراً لهذه النكتة السخيفة والخدعة الصفراء التي وقعنا في فخ مخالبها اللعينة.

أنزلَ الجمهور الغاضب الرجل الحكيم فوق خشبة المسرح، وبعد أن عَدَّل من هندامه وشعره الأبيض إنبرى قائلاً:

-أيها الجمهور الطيّب، إهدئوا قليلاً أرجوكم، وسأوضّح لكم كلَّ شيئ، ولكن أرجو أن تنّفذوا بصبرٍ وهدوءٍ ما أطلبه منكم، إعملوا دائرةً حولي وأنا في وسطكم.

عملوا دائرةً ، والرجل الحكيم يتوسطهم، وأصبحت القاعة فارغة تماماً، وفي تلك الأثناء دخل الشاعر الغريب الأطوار وعرّيف الحفل، وجلسا في المقاعد الخلفية، وكأنَّهما يشاهدان عرضاً مسرحيّاً لوحدهما. قال الرجل الحكيم :

– انظروا يا أصدقائي إلى وضعكم الحالي، ماذا تبصرون؟

قالَ أحدُهم متوترا:

– لا نبصر شيئاً..هل تريد أن تخدعنا أنت الآخر، كما خدعنا ذلك الشاذ المعتوه؟

– لا أبداً لا أريد أن أفعل ذلك، أنا واحد منكم ولم أفكر أبداً بخداعكم، ولكنّي أردت أن أحرّكَ مياهَ وعيكم الراكده. أنتم الآنَ بوقوفكم حولي تشكّلون دائرة، وأنا أشكّل النقطة المركزية في هذه الدائرة. أنتم وضعتوني في هذا المكان، وأنا الآن النقطة المحورية في دائرتكم.

نظرَ الحاضرون إلى بعضهم البعض، وخفّت حدّة التوّتر في وجوهم، وبدأت أصابعهم تنفلت من قيود الارتعاش. بعد ذلك واصلَ الرجل الحكيم حديثه قائلا:

– الشاب الذي أثارَ حفيظتكم، وثرتم على سلوكه الأدائيّ دون أن تدركوا ما يرمي إليه، أرادَ أن يوصلكم إلى هذا المشهد .أرادَ أن يحرّك أدوات وعيكم، لكي تدركوا أنَّ الحياةَ ليست هرجاً ومرجاً وفوضى وصراخ ، أراد أن ينبهّكم إلى حقيقة لا تدركوها. كلُّ انسان هو نقطة في دائرة الكون، وتلك النقطة تحتاجها الدائرة التي تدور حولها، والنقطة ذاتها لم تكن على قدر من الإهمية لولا وجود تلك الدائرة. وهذا الجزء الأوّل من نص البانتومايم الذي قدَّمهُ الشاعر الغريب بأداءٍ صامت.

قالَ رجل آخر ظهرت عليه علامات الاقتناع بفلسفة الرجل الحكيم:

– ولكن ماذا عن الحركات الشاذة التي قدَّمها فيما بعد، وغادر خشبة المسرح والقاعة؟! هل لديك قراءة تأويلية لذلك المشهد الشاذ؟!

إبتسمَ الرجل الحكيم وقال مخاطباً الجمهور الذي لم يزل يشكّل دائرةً حوله فوق خشبة المسرح:

– يا جماعة إيَّاكم والتسرّع بإطلاق الأحكام جزافاً. إتهمتم الرجل بالشذوذ المثلي، وهو ليس بشاذ البتة، ولا يدعو للمثلية كما قرأ البعض منكم هذا الأمر بوعي قاصر.

قاطَعَهُ أحدُهم متبرّماً:

– إذن كيف تفسر لنا لغة الحركات التي قام بأدائها على نحو فاضح خارج عن دائرة الآداب العامة؟!

إبتسمَ الرجل الحكيم وخاطبَ الحاضرين:

– لو تتذكرون جيداً الحركة التي قام بها الشاب في ذلك المشهد. لقد صَوَّرَ لنا يَدَهُ اليسرى كقيثارة عزفَ عليها بيده اليمنى، لكنها تريد أكثر، فتصاعدَ العزف مع حركات حسّية صَوَّرت لكم ماهيّة الفعل الجنسي، فرميتموه بسهام الشذوذ .أرادَ أن يقولَ لكم بخطاب البانتومايم: أنَّ الحياةَ ليست الا قيثارة عاهرة تدعو كلَّ يَدٍ للمضاجعة. أرادَ أن ينبهّكم لعهر الحياة التي تغريكم موسيقاها، فترقصونَ بلا وعي، وتغادرونَ موقعكم في النقطة المركزية في الدائرة، تدورونَ بلا إدراكٍ لحركةِ الوجود الدائرية. أرادَ أن يقولَ لكم أنَّ الصخبَ والأصوات العالية هي أفعال عاهرة لا توّلد الا العهر، وهناك أفعال صامتة تستحّق أن نترجمَ علاماتِها لكي نفهمَ حقيقةَ الإنسان وشعريةَ المعنى في هذا الوجود.

صَفّق الشاعر الغريب وعرّيف الحفل وقوفاً، مع إبداء حركات انحناء وتبجيل واحترام لوعي الرجل الحكيم، الذي لم يزلْ يشكّل نقطة الإرتكاز في الدائرة التي شكّلها حوله جمهور الحاضرين الذين واصلوا فعلَ الدوران، واليد اليمنى لكل واحد منهم تعزف بانتشاء على قيثارة اليد اليسرى بسرعة فائقة، مثيرينَ عاصفةً من التصفيق الحاد للرجل الحكيم الذي مازال واقفاً كنقطة إرتكاز مضيئة في تلك الدائرة البشرية.

ثانياً القراءة بقلمي أحمد إسماعيل/سورية

 

مقدمة

إن سيطرة العقل الجمعي على العلاقات الاجتماعية لا تؤدي بالضرورة إلى صناعة مجتمع عقلاني فلابد من إفرازات الزمان و المكان بتراكيب الوعي الثقافي و دمج وظائف الأنظمة المعرفية مع تأثيرات الفعل الإجتماعي….و العقل الجمعي لا يستطيع أن يصنع مجتمعا عقلانيا من الفراغ…. و لا يستطيع أن يبني منظومة فكرية حرة من العدم فكل شيء يبدأ بالنقطة و النقطة تشكل الدوائر أو تكون سبباً في كون الخط لا نهائياً أو مجزوءاً.

ويقول الطبيب والفيزيائي و الفيلسوف سيكتوس إمبريكوس و الذي سميت النزعة التجريبية بالأمبريقية تيمنا باسمه 🙁 إن بناء قناعة عقلانية مستحيلة إن لم تتلوث ب النقطة و والدائرة و الخط اللانهائي مهما بدت الفكرة منطقية.)

كل هذا الزخم من فلسفة المعنى و الوعي و أثره في الحياة وطريقة عزفها أدعوكم لمطالعته في قراءتي لقصة قيثارة عاهرة للكاتب و الشاعر و الناقد و المترجم د. مسلم الطعان / العراق

بداية من العتبة العنوانية

القيثارة: آلة من فصيلة العود وترية مكونة من صندوق خشبي مسطح الوجهين وجانباه منحنيان إلى الداخل يشد على أربعة أوتار.

عاهرة : اسم فاعل من عَهَرَ: أي فَجَرَ » فاجر/ة و هو زان يرتكب الفاحشة و قد تقال لغير الزاني

طبعا القيثارة لاتستطيع أن تقوم بهذا العمل القبيح لذا نستنتج أن الكاتب أراد بها مجازا بعدا آخر وهو الحياة و ماتفعل بالدول كلما دارت عليهم الدائرة

 

لمحة عن أبعاد السرد

الزمان : عصرنا الحالي و يمكن أن يكون في عصور سابقة لأن الدائرة تدور و تدور معها الأمم والأقوام و منها يزول.

المكان : المسرح و نسخة مصورة عن الواقع

الشخصيات: الشاعر الغريب و عريف الحفل و الجمهور والحكيم.

يمكننا أن نصنف القصة ضمن قصة الفكرة والتي تشتمل على فكرة واضحة تنتهي لغاية و مضمون معين.

الفكرة تعد أساسأ في المجالات الإقناعية و التعليمية،لأنها الأمر المقصود و تسمى المعني أو الحقيقة فلغة العلم لها مفرداتها ومقابلاتها في العالم الخارجي ،تساق في تراكيب تدل على الفكرة بقدر محدد من العبارات رغبة في إبراز الحقائق المجردة دون مبالغة،فهنا الحوادث و الشخصيات والمعنى وحدة لا تتجزأ يساند كل منها الآخر ويقوم على خدمته في سبيل تصدير الفكرة على أكمل وجه.

 

نظرة على تفاصيل السرد:

المقدمة : مسرح و جمهور و مقدم حفل وشاعر غريب يلقي شعر (بانتومايم )

فما هو شعر البانتو مايم؟

هو فن التمثيل الصامت المؤدى من قبل فنان أو مجموعة من الفنانين بغرض التعبير عن الأفكار والمشاعر و الآراء عن طريق الحركة الإيحائية،و أشهر من قام به الفنان الفرنسي مارسيل مرسو.

وحين نعود إلى المقدمة نجد أن عريف الحفل قدم الشاعر على أنه غريب كشيء مثير ومحفز لفضول الجمهور على المدرجات و ليثير حفيظة الأسئلة عند الجمهور في البحث عن معنى الغرابة: هل غريب عن الديار، أم غريب في كلامه، أم غريب في حركاته وتصرفاته….

والآن لنتوقف لحظة في ما قاله عريف الحفل ( شعر البانتو مايم) هذا اللون من الفن المسرحي الإيمائي منتشر عند الغرب ويعرفه العامة و المثقفون لكن عندنا نحن العرب نجد أنه غير معروف و خاصة عند العامة ومن اطلع عليه قلة قليلة جدا..

ولهذا كانت ردة فعل الجمهور على المدرجات أكثر غرابة لأنه لا يدرك أبعاد مايطرحه أو يلقيه الشاعر الغريب

تعريف الحفل أشار إلى أن الشعر سيكون إيمائيا من خلال بيانه بنوع الشعر لكن الجمهور ينتظر شيئا مقروءا موزونا و بقافية رنانة…

وهنا يشير الكاتب إلى المجتمعات و الذوات الجمعية العربية و كيف أنها لاتبحث في أبعاد ما تسمع و ترى، ومدى ضيق انفتاحها على ثقافة الآخرين و أبعاد تفكيرهم ..

★الشاعر كما صوره الكاتب صعد المسرح (ومشى بخطى إيقاعية مموسقة و كأنه يمثل دوراً درامياً في مسرحية) فالشاعر هنا يمهد لما سيقوم به فالقادم سيكون حركات إيمائية…

★ الآن لنتوقف قليلاً عند ما فعله الشاعر بحركاته الإيمائية

( رسم دائرة في الهواء و أشار بإصبعه إلى داخل الدائرة و كأنه يضع نقطة داخل مركز الدائرة ثم يعيد الحركات ثانية و ثالثة) و كأنها للتأكيد و لنضع عند كلمة التأكيد نجمة مضيئة★ لأننا سنعود إليها بشكل مفصل كما عاد إليها الكاتب مراراً.

★ نلاحظ ردات فعل الجمهور الاستهزاء ..و وصف الشاعر بالجنون مع كثير من الهرج و المرج.

★ رأي الحكيم هو دعوة للتفكير و تشغيل العقل و هنا نلاحظ حضور الوعي.

★ الشاعر على المسرح و ما زال واثقاً و غير مبال بردات فعل الجمهور يعيد حركة الدائرة و النقطة وهو يشير إليهم ، ثم ينتقل حركة القيثارة و العزف عليها.

★ نبرات استهجان و أصوات هرج و مرج

★ خروج الشاعر خروج الواثق من أنه سيترك أثراً و هو مستمر بحركاته الغريبة.

★ صدمة الجمهور من خسارتهم لكل شيء ( الوقت و النقود و نشوة الشعر ) و اتهامهم للشاعر بالفجور و المثلية.

★الجمهور يبحث عن شخص آخر يفجرون به مابهم من غل و غضب و استهجان.

طبعاً لم يكن أمامهم سوى الحكيم.

★ قدرة الحكيم على امتصاص غضبهم و تحويل إيماءات الشاعر إلى شيء مرئي من خلال تمثيل الجمهور للدائرة و الحكيم للنقطة و المركز على المسرح.

★الشاعر يصعد المدرجات مع عريف الحفل ليلعبا دور الجمهور.

★ حقيقة الحياة في نظر الحكيم وملخص فكرة إنتماء النقطة للدائرة والدائرة للنقطة.

★ حقيقة القيثارة وكيفية تصاعد العزف عليها مع الإحساس و كيف تصبح عاهرة وهي تراقصك بعزفها و ملذاتها وتغريك ثم تغريك حد الجنون…

★ و هنا نلاحظ المفارقة بين الصخب و الأصوات العالية التي تمثل العهر و الهدوء الذي يمثل حقيقة الإنسان و شعرية المعنى في الوجود.

★ تصفيق الشاعر و عريف الحفل للحكيم و براعة تأويله ثم الجمهور من بعدهما.

★ الحكيم في الخاتمة نقطة ارتكاز مضيئة في دائرة البشرية على مدى الأزمان و العصور و هو يمثل بداية الخط اللانهائي للبشرية.

★★ هل يمكننا أن نتصور الدائرة بشكل مختلف عن الحكيم؟

ولم لا..

لنتأمل الآية القرآنية (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين.)

والآن لنتصور الجمهور بأنهم من في قلوبهم مرض و الشاعر يرسم دائرة حولهم ويضع نقطة في المركز و كأنه يحذرهم

لنتذكر أجواء الهرج و المرج أثناء تأدية الشاعر لحركاته و ردات فعل الجمهور التي يغيب فيها الوعي.

طبعا تفسيرات الآية كثيرة لكنها تشير في معنى الدائرة إلى المصائب و النوازل من قوم إلى قوم وهي التي تخشى الهزيمة و الحوادث فمرضى القلوب من المسلمين يوالون اليهود و النصارى لضعف إيمانهم أ و ليس هذا حالنا نحن العرب في عصرنا الحالي كل دولة تخشى أن تصيبها دائرة .

و كأن الشاعر يشير بعدها إلى القيثارة العاهرة وكيف أنهم سيكونون مثلها بعد انغماسهم بالملذات و ستكون سبب فنائهم ونهايتهم و ماحصل في الدولة الأموية والعباسية والأندلس وغيرها خير دليل أليس مثل تلك القيثارة التي عزفت على إيقاع ملذاتهم و رسمت دوائر و دوائر حولهم

أليست تلك القيثارة العاهرة مثالا حيا على زماننا وكيف تقطعت الدول العربية و أصبحت قطعا تنزف دماً من دوائرها.

★ الشاعر هنا يريد صحوة من هذه القيثارة العاهرة و النظر إلى حقيقة الحياة وسبب وجود الإنسان فيها و كيف يكون سبب حضارتها و رقيها.

★ ملاحظة أخرى: الكاتب عرض في السرد طريقة نظرنا للأشياء و خاصة الشعر

وهنا دعوني أتكلم بشكل مفصل

نحن العرب منذ وعينا الأول شربنا الشعر قافية و وزناً و ما عاد يعجبنا خارج إطاره أي نوع من الشعر،حتى أن شعر التفعيلة و رواده بذلوا جهدا كبيرا حتى تنفس دوره و مكانته…

والآن شعراء النثر يبذلون كل جهودهم ليكون هو الآخر نافذة للشعر رغم إصرار البعض على أن الشعر وزن وقافية و لا مكان للنثر أو لقصيدة النثر أو غيرها

و كذلك الحال في صنوف و أجناس الأدب الأخرى.

هنا يؤكد الكاتب على أننا نتوقف عند تفاصيل ثانوية و ننسى قيمة الفن و الأدب و أهمية الانفتاح على اللغات و آدابها وحضاراتها.

 

آليات السرد التي منحت النص لمسات من الجمال و التشويق والفضول

1 _ اسثارة وعي الجمهور وجعله جزء لا يتجزأ من الحدث من خلال تمثيل فكرة النقطة و والدائرة و القيثارة

2 _ لعبة قلب الأدوار على المسرح بين الشاعر و الجمهور

3 _قدرة الكاتب على رسم الحبكة و بدون إرهاق السرد بالتفاصيل التي لا ضرورة لها

4 _تاكيد الكاتب على فكرة الدائرة مراراً و تكراراً لبيان الهوة الكبيرة بين حضور الوعي و غياب الوعي ( طبعا الوعي الجمعي و الفردي)

5 _ تسليط الضوء على الوعي الجمعي العربي الذي لا يرى أبعد من شهوته في تفسير الأشياء من خلال اتهام الشاعر بالفجور و المثلية

6 _ رسم الكاتب صورة الشاعر من دخوله للمسرح حتى خروجه منه بصورة الواثق من نفسه و بيانه رغم كل الهرج والمرج على المدرجات لأنها صفة كل من يضع نفسه موضع المسؤولية في تبليغ رسالته إن كان أدبا أو فنا أو علما.

7_ بث الكاتب فكرة التفاؤل في مقدمة النص و في الحبكة وحتى في الخاتمة

فكل نقطة مضيئة تستطيع أن تغير واقع دوائر و دوائر

8_ و أخيرا ومن وجهة نظري جعل السرد كتناص للآية القرآنية و جعلها تستنطق واقع الشعوب العربية في الماضي و الحاضر

نحن من تدور علينا الدوائر نبحث عن مركز يزيح هذه الدوائر عنا فعسى الله أن يكتب لنا لأمتنا الخير و الصلاح و العمران.

في النهاية أرفع القبعة لحفيد الرافدين د. مسلم الطعان ولقصته التي منحتها هذه الفسحة من التأمل

محبتي و طوق ياسمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى