رؤى ومقالات

هاني بسيوني يكتب …..عِلم صناعة الجهل

هل قرات عن مايُسمى علم الجهل والتجهيل “Agnotology” على غِرار علم الفيزياء والكيمياء وما شابه ؟

ترنحت بين الحقيقة والخيال ومن سطوة المعلومات والأفكار … وتعجبت .. كيف يكون هناك عِلم للجهل !!؟ .. فكيف يكون العِلم مُجهلاً ؟ …

وتاكدت ان تلك حقيقة وليست خيال .. 

فهناك مؤسساتٍ تابعة لحكومات دولٍ عُظْمَى ومنها حكومة الولايات المتحدة ، متخصصة في هندسة الجهل وصناعته وتغليفه بأرقى الأشكال .. ثم تسويقه على نطاقٍ واسع خارجيا مستهدفة مستهلكو هذه السلعة في عمق ثلاث فئات داخل المجتمعات .. وهم ..

1 ) الفقراء من الأقليات الاجتماعية والدينية وعمال البلديات وفقراء المناطق النائية وفقراء الريف وعمال المزارع وما شابه هذه التصنيفات .. 

لكن الفاجعة التي ألمت بي كانت شمول معلمي المدارس وأساتذة الجامعات في الفئة المستهدفة من هذه السلعة الخطيرة حيث تصل نسبة من يقعون ضحايا لاستهلاكها في الدول المتخلفة الى نحو 90٪ من حجم السكان ، ومنهم ايضا جنود القتال !.

2 ) المتدينون الذين يؤمنون بالقدرية ، المستسلمون ظنا ان اقدارهم لن تتغير وعلى عاتقهم تقع مسؤولية تجهيل أكبر عدد ممكن من الناس الذين لديهم ميول دينية …

3 ) المغفلون الذين يعملون فـي دواوين حكومات الدول النائمة الفقيرة وبالتحديد فئة التكنوقراط ( الفنيين ) الذين يقدمون النصح والمشورة لمتخذي القرار فيتم تدريب هؤلاء على تمرير الجهل وتبريره تحت مسمى النظرية والإمكانيات والموارد … 

ويأتي في مقدمتهم المعنيون بالشأن السياسي والاقتصادي إذ تنحصر مهامهم في بث روح اليأس في نفس متخذ القرار من إمكانية الإصلاح وممارسة الكذب وترسيخ الأكاذيب في أذهان العامة على أنها حقائق لابد أن يدافعوا عنها …!

لكن أخطر مااسفر عنه ذلك أن بث العداوة بين الدول التي يُسوق بها عِلم الجهل .. 

وتعود البداية الى احداث مؤتمر Henry Campbell Bannerman نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان والذي انعقد في لندن 1905 واستمرت جلساته حتى 1907 اي نحو عامين وبدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين بهدف إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول أمد ممكن وضمت الدول الاستعمارية في ذاك الوقت كل من … بريطانيا ، فرنسا ، هولندا ، بلجيكا ، إسبانيا ، إيطاليا …. حيث خرج المؤتمر في نهايته بوثيقة سرية اسموها “وثيقة كامبل” أبرز ما جاء في توصيات المؤتمِرون او المتآمرون – كما احب ان اسميهم – في هذا المؤتمر كان مايلي .. 

1- إبقاء شعوب العالم المستعمرة مفككة جاهلة متأخرة ، وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات :

الفئة الأولى / دول الحضارة الغربية ( دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا ) والواجب تجاه هذه الدول هو دعمها مادياً وتقنياً لتصل إلى مستوى الدول المجتمعة في المؤتمر المشار إليه .

الفئة الثانية / دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدًا عليها ( كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها ) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدًا عليها وعلى تفوقها .

الفئة الثالثة / دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدًا لتفوقها ( وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص ) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية ..

2- محاربة كيان الوحدة في الدول العربية .

ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة كيان صهيوني في فلسطين ليكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي ويحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب واعتبار ان قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة ، وفصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط فصلاً مادياً عبر الدولة الإسرائيلية وإنما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً ، وتشجيع الانقلابات في الحكم وبشكل مستمر لعدم حدوث استقرار سياسي يترتب عليه استقرار اقتصادي وتنمية مستدامة مع مساندة انظمة الحكم الشمولي المتهورة بهدف زيادة الالتهاب بالمنطقة بما يحقق البيئة الخصبة للتوسع الصهيوني على حساب شعوب المنطقة العربية مما أبقى العرب في حالة من الضعف والهوان والخوف ووضع فواصل مجتمعية اجتماعية بين الشعب الواحد في طوائف بصبغات دينية متطرفة متباينة .. 

وتم رسم السياسة الهدامة بالمنطقة العربيّة ومن تلك السياسات أن تطلُبَ الدولة العربية تأشيرة دخول للمواطن العربي الذي كان يعيش على ُبعد أمتارٍ معدودة من حدودٍ رسمها ساسة المؤتمر مما جعل الشعوب العربية شعوباً متناحرة ، يفصل بينها تأشيرة دخول ..!! .. ولتستمر المأساة وتمتد لتصبح في مراحل لاحقة تجارة للرقيق في ثوب ما اسموه نظام الكفيل !!!!!!.. 

وكانت الخلاصة …

أنك عندما تدقق في عمق الأوضاع السائدة في الدول العربية لا تستطيع أن تدحض مصداقية هذا العلم وهندسته وصناعته وآثاره المدمرة التي يتسبب بها صانعوا هذا الجهل في عقول قاطني الدول المتخلفة النائمة … وتُدرك جليا ان العلم والتعليم هو من اهم القضايا للتنمية ناهيك عن ثقافة الوعي التي يجب ان تُبث من خلال قنوات الاعلام بكافة انواعه لمواجهة صناعة الجهل بصناعة العقول .. فإهمال التعليم والعلوم والبحث العلمي يعد من اهم اسباب تخلف الدول العربية في معظمها .. 

وللاسف مازال العرض مستمرا .. فهل تتعظوا يا أصحاب العقول …!!؟؟ 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى