تاريخ العرب

أسباب غياب مدائح كيهك عند الأقباط

كتب:محمد الجوهر

أسباب تدنى الشعر الدينى العربى عند الأقباط (مدائح كيهك)
إن أسلوب هذه المدائح العربية التى ظهرت فى الكنيسة بدءاً من القرن السابع عشر فصاعداُ ، ينحى كثيراً إلى العامية ، مع سطحية المعنى ، وهو أقرب إلى المواويل منه الى الأشعار الموزونه ، لا يرقى على درر تعليم كنيسه الاسكندريه بمدرستها ولاهوتها عن سر التجسد الألهى . ومع ذلك ، لا ينبغى أن نغفل ما كان لهذه المدائح من تأثير إيجابى على الشعب القبطى فى غضون قرون ضعف ، جازتها الكنيسة القبطيه ، تنازع فيها البقاء.
فالقرن الحادى عشر فى مصر والذى شهدت بدايته فترة حكم الحاكم بأمر الله (996-1021م) والذى أذاق الأقباط صنوفاً من الإبادة والتشريد مدة تسع سنوات ن قد ترك بصماته واضحة على أنهيار الأدب القبطى عموما لعدة قرون بعد ذلك . فضلا عن أنه قد أباد ما خلفته القرون السابقة من تأليف وغبداع فكرى.
وفى ذلك يقول المقريزى المؤرخ المسلم :” وأخذ-أى الحاكم بأمر الله- فى هدم الكنائس كلها وأباح ما فيها وهو محبس عليها للناس ، ونهبا إقطاعاً فهدمت بأسرها ، ونهب جميع أمتعتها ، وأقطع أحباسها ، وبنى مواضعها المساجد ، وأذّن بالصلاه من كنيسة شنودة بمصر ، وأحيط بكنيسة المعلقه فى قصر الشمع ن وكتب إلى ولاة الأعمال ، بتمكين المسلمين من هدم الكنائس والديارات ، فعمّ الهدم فيها من سنه 403هــ (1013م).وذكر من يوثق به فى ذلك ، أن الذى هدم إلى ىخر سنه 405هــ (1015م)، بمصر والشام وأعمالهما من الهياكل ، نيف وثلاثون ألف بيعه ، ونهب ما فيها من آلات الذهب والفضه ، وقبض على أوقافها ، وكانت أوقافاً جليله…”.(الخطط، الجزء الرابع ،صــ398-400).
وفى زمن البابا خريستوذولوس (1047-1077م) الــ66 أجتاحت قبيلة البربر المعروفة بأسم “اللواته” الوجه البحرى ،ونهبت أديرة وادى النطرون ، وقتلت معظم رهبانها ، ومزقّت شمل الباقين. وارتكبوا فظائع بشعه ، فنهبوا البلاد ، وقتلوا أهلها ، وهتكوا أعراض النساء ، وذبحوا الأولاد على بطون أمهاتهم ، وعلى ظهور آبائهم ، ونهبوا الكنائس وخربوها ، وكشطوا صور القديسين”(تاريخ البطاركه ، المجلد الثانى ، الجزء الثالث،صـ183-184).
وفى زمن الخليفة الفاطمى المستنصر بالله (1035-1094م) حلّت بمصر أيام سود أستمرت سبع سنوات ، قال عنها صاحب كتاب تاريخ البطاركه :إن جماعة ثقات من المسلمين والنصارى ، أبصروا بأعينهم الدموع تجرى من أعين بعض الصور التى فى الكنائس “.
وفى ايام قايتباى (1467م) هجم عرب الوجه القبلى على ديرى الانبا أنطونيوس والانبا بولا ، وقتلوا جميع من فيهما من الرهبان ، وبقيا خرابا نحو ثمانين سنة ، وكانت بهما مكتبتان عظيمتان تحويان عددا عظيما من الكتب القديمه الثمينه ، فجمعوها واحرقوها عن آخرها ، ولم يبق إلا ما خفىّ عن أعينهم.
وفى عصر الدولة العثمانية (1517-1798م) دخلت الكنيسه أظلم عصورها التاريخيه ، فأضمحل الأدب والعلم ، ولم يكن أمام الأقباط سوى الاشتغال بالزراعهه فى الريف، وكان سكنى الأقباط فى المدن ضئيلا جدا .فحرم الأقباط من أى مورد ثقافى روحى ، فقد كان تعليمهم قاصرا على بعض الكتاتيب الملحقة بالكنائس ، تعلمهم القراءه العربيه والحساب وبعض الترانيم والالحان والتفاسير .لذا نجد أن الكهنه الاقباط كانوا دون المستوى الثقافى والروحى المطلوب بكثير .
لقد كان العصر العثمانى هو العصر الذى شهد تلاشى اللغه القبطيه من البلاد ، وصار من يتكلمها هو أعجوبه زمانه ،يشار غليه بالبنان ، ويؤرخ له ، إذ لما وفد نابليون إمبراطور فرنسا وأاحتل مصر سنه 1798م ، طلب أن يسمع من يتكلم اللغة القبطيه ، فأحضروا إليه قبطيا من الصعيد يجيدها ، ولم ينازعه فى هذا الامتياز سوى أمرآه عجوز!.
فهل نعود ونتأسف على تدنى المستوى الأدبى واللاهوتى لكثير من المدائح الكيهكيه التى ألفت فى هذه الظروف الصعبه ؟ أما اليوم فما هو عذرنا نحن ؟ وماذا نقول لمن يأتى من بعدنا ؟
(صوم الميلاد وتسابيح شهر كيهك ..لابونا أثناسيوس المقارى صــ51-54)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى