بلا وطن….بقلم لمياء موسي
رحلت إلى ماضٍ سقط في الزمان، حيٌّ داخلي.
رحلت إلى وطني لعلّي أستطيع لَمَّ شعث نفسي.
رحلت إليه لعلّي أرتشف عبقًا من رحيق ذكرياتي.
رحلت إلى أرضه لأبحث فيها عن وطني وعن ذكرياتي، فلم أجدها.
مشيت في شوارعه لعلّي أعثر فيها على طفولتي، فشممت ريحًا ليست ريح وطني.
رأيت شوارعه تضجُّ بالأغاني، خالية من السعادة.
رأيت مساجده مليئة بالمصلين، فارغة من الدين.
سمعت كلامًا كثيرًا عن الأخلاق، خاليًا من الأفعال.
رأيت أناسًا يرحبون بي، أعينهم خالية من النقاء.
حضنت أبي، فلم أجد الحب داخل حضنه.
رأيت أمي فرحة بقدومي، فارغة من الأمومة.
رأيت أخي قد خذلته الأيام وأطفأت بريق النقاء في عينيه.
سمعت أنين صدورهم رغم قهقهاتهم العالية.
رأيت أمراض أجسادهم رغم حركاتهم السريعة.
أحسست بخوفهم وقلقهم يزأر كالوحش داخل صدورهم.
رأيت الصدق والنقاء قد غابا عن أرضهم.
لم يُطِل أحد النظر في عيني. الكل في حال سباق في الكلام بلا تروٍّ، وفي إصدار الأحكام بلا إحكام.
نورانية المكان قد رحلت، وحلّت محلها طاقة أخرى تراها في الأعين الزائغة والقلوب الوجلة.
رأيت وطنًا بلا ذكريات، وسعادة بلا فرحة، وأيامًا بلا بركة، وأعمالًا بلا إنجاز.
سُرق وطني وتُركت أرضه، وسُرقت معه طفولتي وذكرياتي.
فعُدت إلى غربتي لأعلن لنفسي أني بلا وطن.