من سرق الساعة …..بقلم وليد العايش

في أحد الأعراس في قرية ريفية نهض شاب وسيم تبدو عليه ملامح الثراء واتجه إلى شخص قد جاوز السبعين من عمره وقد أبيض شعره ؛ وانحنى ظهره قليلاً ؛ لكنه كان يحتفظ بكامل وقاره .
قال الشاب للرجل العجوز:
– ألم تتذكرني يا أستاذي !!!
نظر الرجل إلى الشاب ؛ أمسك بيده وهو يتأمل ملامحه ثم قال:
– لا يا بني لم أتذكرك أعذرني ؛ فلعل العمر قد أخذ مني .
رد الشاب:
– لا يا أستاذ فأنت صاحب ذاكرة فولاذية وبكل تأكيد تذكرني .
تابع الرجل تأمله للشاب ثم أردف:
– لا لا بني صدقني لم أتذكرك .
وهنا جلس الشاب إلى جوار الرجل السبعيني ثم بدأ بالحديث:
– أنا فواز يا أستاذي ؛ أنا التلميذ الذي سرقت ساعة زميلي في الصف الخامس ؛ وبعد أن اشتكى لك طلبت منا أن نعيد الساعة لصاحبها وإلا أنك ستفتش الجميع ؛ لكني وخوفاً من العقاب لم أعد أجرؤ على إعادتها ؛ أصابني الفزع والخوف ؛ وكنت أخشى الفضيحة أمام زملائي وأمامك وأمام المعلمين والمعلمات .
يومها طلبت منا جميعاً ان نقف ؛ وكنت أظن بأنك ستفتشتا أمام بعضنا البعض ؛ لكنك طلبت منا أن نقف وندير وجوهنا إلى الحائط وأن نغمض أعيننا ؛ وبدأت أنت بتفتيشنا واحداً واحداً ؛ حتى وصلت إلي ؛ وأخرجت الساعة من جيبي ؛ لكتي استغربت أنك واصلت التفتيش إلى أن انتهيت من كل زملائي رغم أنك وجدت الساعة ؛ لكن ما أثار استغرابي أكثر هو أنك لم تفاتحني بالقصة ؛ ولم تعاقبني ؛ ولم تعلم زملائي بأنني الذي سرق الساعة ؛ ولم تخبر المدير ؛ وهذه كلها أسئلة لازلت لم أجد لها جوابا حتى اليوم يا معلمي الجليل ؛ هل تذكرتني الآن !!! ومثلك لن ينسى من كان مثلي !!! …
انتهى الشاب من حديثه ونظر إلى أستاذه بشكل مباشر ؛ كانت عينا الأستاذ مغرورقتان بالدموع ؛ فمسحهما الشاب بمنديله ثم احتضنه بقوة كما يفعل مع والده .
تنهد الأستاذ قبل أن يبدأ بالحديث:
– نعم يا بني مثلي لم ولن ينس تلك الحادثة ؛ فذاكرتي ليست من ورق يتساقط في أيلول بعد أن يصاب بالاصفرار ؛ لكن أتعلم لماذا يومها طلبت منكم أن تديروا ظهوركم إلي ووجوهكم نحو الحائط !!! ولماذا أرغمتكم على أن تغمضوا أعينكم أثناء عملية التفتيش !!! ولماذا لم أكملت التفتيش حتى آخر واحد فيكم !!! ولماذا لم أخبركم بمن سرق الساعة !!! بكل تأكيد لا تعلم الأجوبة يا بني .
يومها طلبت منكم كل هذا حتى لا يعلم أي واحد منكم أي شيء عمن سرق الساعة ؛ ولا بأي جيب وجدتها ؛ وأكملت التفتيش حتى لا يعلم رفاقك أنك أنت ؛ فلو أني توقفت عندك لعرفوك .
صمت قليلاً ؛ أخذ نفساً عميقاً ثم تابع:
الأهم من كل ذلك يا فواز أنني الآن فقط عرفت من سرق الساعة !!! لأنني يومها فتشتكم وأنا أيضاً مغمض العينين ؛ أغمضت عيناي حتى لا أعرف من الذي سرق الساعة ؛ فلا أفضحه ؛ ولا أحقد عليه ؛ ولا أحمل أي كره تجاهه ؛ واليوم أنت الذي أخبرني بمن سرق الساعة .
انتهى الأستاذ من حديثه مع هول المفاجأة التي صعقت فواز الشاب الذي أصبح ثرياً من عمله التجاري ؛ وضع رأسه على صدر معلمه وهمس له:
– أستاذي ؛ هل تعلم بأنني من يومها وأنا أخشى الفضيحة ؛ فأقسمت ألا أسرق أي شيء ؛ صغيراً كان أم كبيراً ؛ رخيصا أم غالياً .
مع إنتهاء الحديث بين الأستاذ وتلميذه كان العريس يقف أمامهما ويرى الدموع وهي تنهمر من أربعة أعين ؛ كان يظن بأنها دموع الفرح بزفافه .