فراج إسماعيل يكتب :بين مراسلة أمريكية ومراسل سعودي: ترامب فوق صفيح ساخن

الفارق بين الصحافة المهنية الاستقصائية والصحافة السطحية برز خلال دقائق من 30 دقيقة استغرقها المؤتمر الصحفي في المكتب البيضاوي للرئيس ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
فبينما استشاط ترامب غضباً من سؤال مراسلة ABC ماري بروس عن مقتل جمال خاشقجي عام 2018 ومدى مسؤولية الأمير حسب تقييم المخابرات الأمريكية، أتاح له سؤال المراسل السعودي المرافق لوفد الأمير، عن وقت نومه، الفرصة ليمدح نفسه ويهاجم كعادته سلفه الرئيس السابق جو بايدن.
اختارت بروس أن تطرح سؤالاً حساسًا يمس ملف حقوق الإنسان والعلاقات الدولية، واجهها ترامب بالغضب، ووصف السؤال بأنه “فظيع وغير منضبط”، مهددًا شبكة ABC لفظيًا بسحب رخصتها، إلا أن السؤال كشف عن جوهر المهنية الصحفية: الجرأة، والحياد، والمساءلة حتى في مواجهة أكثر الشخصيات نفوذًا.
على النقيض، جاء سؤال المراسل السعودي موجّهًا لترامب عن حياته الشخصية: “متى تنام؟ هل تجد وقتًا للنوم ليلاً؟” معبرا عن خفة وسطحية أتاحتا للرئيس أن يستخدمه للترويج لصورة إيجابية عن نفسه.
أخذ ترامب نفساً عميقا واسترخى في جلسته وهو يقول: أنا وولي العهد لا ننام كثيرا. كان لدينا رئيس سابق (بايدن) حطم كل الأرقام القياسية في النوم، ينام في النهار وفي الليل وعلى الشاطئ. يمكنني الاتصال بولي العهد في أي وقت بالليل. وفي أوقات مجنونة.
سؤال ماري بروس
في لحظة كان يُفترض أنها تجسّد الانفتاح والشفافية، أعلن ترامب وضيفه ولي العهد السعودي استعدادهما لـ“الإجابة عن أي سؤال”. إلا أن هذا الانفتاح لم يصمد طويلًا. فحين طرحت مراسلة ABC News ماري بروس سؤالها بشأن مقتل جمال خاشقجي، تحوّل الهدوء إلى غضب، وهاجمها ترامب واصفًا سؤالها بأنه “فظيع وغير منضبط”، قبل أن يطالب — بانفعال واضح — “بسحب ترخيص” شبكة ABC.
هذا التوتر لم يكن غريبًا على مَن يعرف ماري بروس. فالصحفية التي تتصدر تغطيات البيت الأبيض منذ سنوات اشتهرت بقدرتها على طرح الأسئلة التي تفرضها اللحظة، لا تلك التي ترضي من هم على المنصة. وأكثر ما يميزها أنها لا تتردد في الاقتراب من الملفات الحساسة، سواء تعلق الأمر بالانتخابات، أو بسياسات الأمن القومي، أو بقضايا حقوق الإنسان مثل قضية خاشقجي.
بدأت بروس مسيرتها قبل أكثر من 15 عامًا داخل ABC، متنقلة بين تغطية الكونجرس والانتخابات، ثم استقرت مؤخرًا كإحدى أهم مراسلي البيت الأبيض. وخلال هذه السنوات، اكتسبت سمعة بأنها مراسلة هادئة لكنها حاسمة، تُصيغ أسئلتها بدقة وتطرحها مهما بدت غير مريحة للمسؤولين.
هل يستطيع ترامب سحب رخصة ABC؟!
كلام ترامب لا يعني منع ماري بروس من التغطية في البيت الأبيض. ولا يعني منع ABC رسميًا من الوجود هناك. كان انفعالًا سياسيًا وحسب. تهديدًا سياسيًا–إعلاميًا مبالغًا فيه، وهو أسلوب ترامب المعتاد عند الغضب.
الإشارة إلى “ترخيص المحطة” بمعناه العام، أي التشكيك في مصداقية الشبكة وإيصال رسالة عقابية أو مهينة لها.
وهو شيء لا يمكن للرئيس فعليًا تنفيذه، لأن تراخيص البث تخضع لهيئة الاتصالات الفيدرالية (FCC)، وليس للبيت الأبيض.







